दीवान मज़िनी
ديوان المازني
शैलियों
إن كان هذا العصر قد هز رواكد النفوس، وفتح أغلاقها كما قلنا، فلقد فتحها على ساحة من الألم تلفح المطل عليها بشواظها، فلا يملك نفسه من التراجع حينا، والتوجع أحيانا، وهو العصر، طبيعته القلق والتردد بين ماض عتيق، ومستقبل مريب، وقد بعدت المسافة فيه بين اعتقاد الناس فيما يجب أن يكون، وبين ما هو كائن، فغشيتهم الغاشية، ووجد كل ذي نظر فيما حوله عالما غير الذي صورته لنفسه حداثة العصر وتقدمه، والشاعر بجبلته أوسع من سائر الناس خيالا؛ فالمثل الأعلى أرفع في ذهنه منه في أذهان عامة الناس، وهو ألطفهم حسا، فألمه أشد من ألمهم، وإنما يكون الألم على قدر بعد البون بين المنتظر وبين ما هو كائن، فلا جرم إن كان الشاعر أفطن الناس إلى النقص، وأكثرهم سخطا عليه، ولا جرم إن كان ديوان شاعرنا على حد قوله:
كل بيت في قرارته
جثة خرساء مرنان
خارجا من قلب قائله
مثلما يزفر بركان
أيقال: إننا بالغنا إذا قلنا: إننا في عهد لا نشاهد فيه إلا مسخا في الطبائع، وارتكاسا في الأخلاق، ونفاقا في الأعمال والأقوال ...؟ لا والله بل يقال: إننا تغاضينا إذا لم نقل ذلك، وما يبالي متحرج في عهدنا أن يغمض عينيه، ثم يمضي على رأسه في الأسواق والنوادي، والمجامع والمعابد، فأي عاتق وقعت عليه يده، فيسأله ألا تعرف المعنى بهذه الأبيات:
يتلقاك بالطلاقة والبش
ر وفي قلبه قطوب العداء
كالسراب الرقراق يحسبه الظم
آن ماء وما به من ماء
अज्ञात पृष्ठ