باب في المقالات والشهادة والحيازة
والوكالات وذكر الأعذار والعقلة والآجال
إذا انعقد في مجلس القاضي مقال بإقرار أو إنكار، وشهد به عنده على القائل شهود المجلس على ما ذكرنا في الباب قبل هذا أنفذ القاضي تلك المقالة على مذيعها. ولم يعذر إليه بشهادة شهودها لكونها بين يديه وعلمه بها وقطعه بتحقيقها.
قال أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم التجيي: وسقوط الأعذار في هذا إجماع من المتقدمين والمتأخرين، وكذلك ذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن العطار في وثائقه.
وأنكر ذلك أبو عبد الله محمد بن عمر بن الفخار الحافظ وقال هذا اختلاط. وقد قال معنا: إن الحاكم لا يقطع بعلمه، ولا بما يقر به عنده دون بينة ولا شهادة عدلين وإن كان بين يديه وفي مجلسه وهو يعلم أنهما شهدا عنده بحق.
فإن كان هذا هكذا فكيف أن يقضي بشهادتهما من غير أن يعذر فيهما إلى المشهود عليه؟ وقد ينكشف عند الإعذار فيهما أنهما غير عدلين؛ إذ قد يأتي المشهود عليه بما يوجب رد شهادتهما من عداوة أو فسوق وإنما لم يقض بعلمه دون بينة لأن فيه تعريض نفسه للتهم وإيقاعه لها في الظنون وقد كره رسول الله ﷺ.
قال القاضي أبو الأصبغ:
وهذا عندي القياس الصحيح المطرد لمن قال: لا يقضي القاضي بعلمه ولا بما سمع في مجلس نظره، لكن الذي قاله ابن إبراهيم وابن العطار جرى به العمل وهو عندي استحسان، ويعضده قول مطرف وابن المجشون وأصبغ في كتاب ابن حبيب أن القاضي يقضي على من أقر عنده في مجلس نظره بما سمع منه وإن لم تحضره بينة.
وقال ابن الماجشون في المجموعة، وبه أخذ أبو سعيد سحنون بن سعيد.
وقال أصبغ في كتابه وهو ظاهر قول النبي ﷺ: «إنما أن بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع منه (١)»
_________
(١) الحديث أخرجه البخاري ج٢، ص٩٥٢ برقك ٢٥٣٤، ومسلم ج٣، ص١٣٣٧ برقم ١٧١٣.
1 / 36