साहित्यिक और सामाजिक सिद्धांतों में अध्ययन
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
शैलियों
أحسن الدكتور صبري في نقده لهذه الآراء تمهيدا لمختاراته من وصف مطران، فإن مطران الناثر - كمطران الشاعر - مثل البلاغة «الدينامية» على قول أصحابنا عشاق العناوين، وإننا لننقل أول وصف له في المجموعة فيغنينا عن المزيد من هذه الأوصاف الحسان؛ لأنها كلها أوصاف لا تعوزها الحركة ولا المناظر التي تراها العين أو يتمثلها الخيال.
قال في مقال سجن الأحداث:
نحن يوما جلوس على شرفة ناد، وإذا جمهور من صبية، كبار وصغار، طوال وقصار، يمرون في الطريق وينقلون أقدامهم على نغم موسيقى يعزف بها أمامهم، ويتقدم الموسيقى غلام يحمل صولجان طويلا ثخينا يقلبه في قبضته شمالا ويمينا، كأنه يشير به إلى المارة أن اخلوا السبيل جانبا وقفوا منا موقف اتقاء السيل جارفا والجيش محاربا ... وتتلو صاحب الصولجان الغلمة العازفة الضاربة الجادة اللاعبة، ثم نحن المائة من الأحداث نمشي وراءها صفوفا متحدة الملبس مختلفة الوجوه صنوفا، وكل هذا السواد كاسون أبيض مسطرا بسواد، قويمة قاماتهم، مرفوعة هاماتهم، غضة أبدانهم، بادية من السرور أسنانهم، فقلنا: من الجيش بلا سلاح؟ فقيل: المساجين في مدرسة الإصلاح.
هذه أيضا إحدى «أفلام» الصور المتحركة التي تتلاحق على القرطاس، ويتبعها في كل صفحة من صفحات الكتاب مقال إن شئت، وإن شئت فشريط يريك كل ما يغني القارئ بالصفات المكتوبة عن الموصوفات المنظورة أو المسموعة، ولا تبتعد في المجاز كثيرا إذا قلت: إنها من الصور الناطقة؛ لأنك تستطيع أن تعلم من المنظر المشهود كيف نسمعه بأذن الخيال.
وتدل هذه القطعة المختارة - بغير انتقاء - على أسلوب الكتابة في سائر الفصول والشذرات؛ أسلوب فصيح النسق، سليم اللغة، مرسل العبارة لا يترك السجعة المقبولة إذا جاءته في الطريق، ولا تخرجه عن الطريق إذا تعمد أن يلتفت إليها حيث يستدعيها المقام.
ولقد كان صاحب هذا الأسلوب «عصريا» في تركيبه لعباراته على نمط الكتابة العصرية في صحافة الأدب على الخصوص، ولكنه سلم مما كان يعرض لأقلام الصحفيين من أخطاء اللغة وخلل التركيب، ولم بجانب الروح العصرية حتى في مجاراته للسلف حين يجنحون إلى التحسين أو السجع والتشبيه، فكتابه «مرآة الأيام في ملخص التاريخ العام» يسمى على منهج الأسماء التي حرص المؤلفون على تسجيعها وتزويق معانيها بعد عصر المخضرمين وأوائل الأمويين، ولكنك لو ترجمته إلى اللغة الفرنسية أو الإنجليزية لما استغربه القارئ ولا حسب أنه منقول من لغة شرقية؛ لأن المؤرخ الغربي أيضا يعتبر تشبيه التاريخ بالمرآة وصفا غير بعيد عن لغة الواقع، وعن مقاصد المؤرخين.
وتحتوي المجموعة - مع الوصف - نقدا أدبيا يلم بالموضوعات العربية والموضوعات الأوروبية، وينقد المؤلفات كما ينقد المؤلفين، ويعلق عليها شارح الكتاب فيهدي القارئ إلى ظروف المقال التي يفوتها العلم بها لولا هذا التنبيه إليها، ويستدرك على الكاتب بعض الأمور فيوافقه حينا ويخالفه حينا وينم على الإعجاب به في جميع الأحيان، ولا نكتم صديقنا الشارح أننا قد نخالفه لنوافق مطران على كثير مما لاحظه عليه، ومن أمثلة ذلك تعليقه على نقد مطران لرواية «مكبث» إذ يقول إن شكسبير «يقدم لنا مثلا أعلى من الأمثلة التي تقوم أخلاق الأفراد وتصلح الأسر، وتقيل الأمم من العثرات، ويرينا بأقوى ما نستطيع البراعة سلطان الضمير في كل نفس، ويرينا بأية الحيل تحتاج الغرائز الدنيئة لإفساد الضمير.»
هذه الملاحظة لم يشأ أن يوردها الدكتور صبري دون أن يورد عليها ملاحظة من عنده يقول فيها: «أنا لا أعتقد أن شكسبير وهو يكتب رواية مكبث كان يفكر في الأسرات وإقالة الأمم من العثرات، شكسبير شاعر ينشد الجمال أولا ويعبر عما يختلج في قلبه من عاطفة ووجدان.»
وهذا صحيح، أو يجوز أن يكون صحيحا فيما يرجع إلى مقصد شكسبير، ولكنه - صح أو لم يصح - لا يمنعنا أن نقول كما قال مطران: إن شكسبير قدم لنا العبرة كما تقدمها لنا حوادث الزمن، ولا يلزم من اعتبارنا بالحوادث أن تكون الحوادث ذات قصد فيما نتعظ به أو لا من العبر، على مسرح التاريخ أو على مسرح التمثيل.
ونود أن نختم هذا المقال باقتراح على الأستاذ الشارح نخصه به؛ لأنه أحق باستجابته وإنجازه لطول عهده بدراسة مطران في حياته وبعد مماته، فهذا الكتاب - على ما نعتقد - يشوق قراء العربية إلى الروائع النثرية التي جنت عليها شهرة الأديب الكبير بالشعر، فكاد ينساها قراء الجيل الحديث، بل نسي مؤرخو مطران أنفسهم أن يذكروها في عداد أعماله وآثاره، ومنها كتابه الذي أشرنا إليه عن التاريخ، وكتابه عن الدكتور شميل ومترجماته التي استقل بها وأودعها من بلاغة العربية ما يصح أن ينسب إليه وأن يحتويه كل كتاب يتكلم عن الكاتب مطران، فإذا حسن عند الدكتور صبري يوم يعيد طبع كتابه هذا أن يحيط فيه بنماذج الكتابة المطرانية في جملة موضوعاتها ومناسباتها، فإنه لجدير بهذا الوفاء وهذا الاستيفاء.
अज्ञात पृष्ठ