129

साहित्यिक और सामाजिक सिद्धांतों में अध्ययन

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

शैलियों

ومن طرائف هذه العادة الجماعية ما سمعته من شيوخ بلدتنا «أسوان» من أخبار تحصيل الضرائب قبل الثورة العرابية.

فقد كان الضغط على الموظفين في تحصيل الضرائب شديدا متواليا في تلك الأيام، فقسموا البلدة إلى قسمين: أهل البلدة، وهم متضامنون بينهم على حسب قبائلهم في سداد المتأخر عليهم من ضرائب الأرض والعقار، والطارئون على البلدة وهم متضامنون بينهم كذلك في موسم التحصيل.

واتفق أن يونانيا يدعى «مخالي» كانت عليه مخلفات من الضرائب المتجمعة، فضاق بسدادها وهرب من البلدة قبل موعد التحصيل بأيام.

وحار شيخ الحلة التي كان يسكنها مخالي فيما يصنع، فإنه لا مناص له من الإتيان بمخالي أو بمن ينوب عنه، أو تؤخذ الضريبة من ماله، أو يعزل من المشيخة بعد أن يستوفي نصيبه من السجن أو ضربات السياط.

فإذا به بعد أيام يدخل إلى ناظر القسم، ومعه شيخ عليه عمامة خضراء من أهل إسنا يسمونه بالحاج عثمان ويلقب نفسه بالشريف، وقال للناظر: هذا ينوب عن مخالي في سداد الضريبة المتأخرة عليه!

فلم يتمالك الناظر جهامته أن يستلقي ضاحكا، ويسأله: وما الذي يجمع مخالي على «الحاج» الشريف؟

قال الشيخ بكل جد وبساطة: كلهم يا حضرة الناظر غرباء!

فهذه العادة الجماعية قريبة إلى بداهة الجماعات، فيما مضى على الخصوص، من غير تعمل ولا حاجة إلى دعوة أو إقناع.

ولم يكن من ثم عجيبا أن تنشأ مع الدولة العربية «شعوبية» كالتي نشأت مع كل دولة أو مع كل أمة لها سيادة ولها منافسون على تلك السيادة من أبناء الأمم الأخرى.

فقد كان العرب أصحاب الدعوة الغالبة وأصحاب الدولة القائمة، وكانوا قبل أن يخرجوا من الجزيرة العربية ينافسون قبيلة قريش، وينكرون عليها أن تستأثر بالحكم في كل وظيفة والولاية على كل إقليم ... فلما خرجوا من الجزيرة بطلت هذه المنافسة وحلت منافسة الشعوب المحكومة في محلها، وهي شعوب قديمة الحضارة عريقة الدولة من بقايا الأكاسرة والفراعنة والقياصرة، فكانت «الشعوبية» مظهرا للمنافسة بين العرب وبين هذه الشعوب.

अज्ञात पृष्ठ