साहित्यिक और सामाजिक सिद्धांतों में अध्ययन
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
शैलियों
الفصل الثاني والعشرون
عالم الغد
عالم الغد، أو النظام العالمي الجديد هو خلاصة فلسفة «ولز» التي دأب على نشرها في السنوات الأخيرة، وهي فلسفة تدور في جملتها على محور واحد قلما تعدوه، ونعني به مستقبل النظم الحكومية والمبادئ الأخلاقية في العالم الذي نرجوه: عالم الحضارة والسلام.
وهذا الكاتب العالمي - ولز - من أكفأ الكتاب لخوض هذه المباحث والإجادة فيها؛ لأنه عاصر الحوادث الكبرى في التاريخ الحديث، ونظر إليها بعين الفتى ابن العشرين وعين الرجل ابن الأربعين وعين الشيخ ابن السبعين والثمانين، واستعد لفهمها بثقافة علمية طويلة مشتركة في كثير من العلوم الطبيعية والمعارف التاريخية والفلسفية، فاطلع على الكيمياء واستمع إلى العلامة الجليل الأستاذ هكسلي الكبير في علم الحياة ، وساهم في الصناعات الآلية، ومارس النقد والقصة والتاريخ، وطبع على حب الخير لبني الإنسان وكراهة البغاة والمتجبرين، وصعد في سلم المعيشة من طبقة الطفل ابن بائع الصيني الفقير والخادمة الوضيعة إلى طبقة السراة الذين يحسبون دخلهم بعشرات الألوف.
قيل إنه تنبأ بصنع الدبابة قبل الحرب العالمية الماضية بأكثر من عشر سنين، وقيل إنه صاحب الفضل - أثناء تلك الحرب - في اختراع وسيلة النقل التي عرفت باسم التلفراج، وقيل إنه عاون حكومته بقدرته الفنية كما عاونها بقدرته الكتابية، ولكنه في نبوءاته العلمية أو تحقيقاته الصناعية لا يتجاوز مرتبة الصانع الماهر والمخترع الناجح، وليست به حاجة إلى أكثر من رسم «تصميم» الآلة المخترعة لتصبح النبوءة عنها في حكم الواقع الملموس ولا تبقى منه بقية للمشاهدة العيانية غير التنفيذ.
أما النبوءة في مستقبل النظم السياسية والمبادئ الأخلاقية في عالم الغد فتلك هي المرتبة التي لا تسمو إليها كل نفس ولا يحيط بها كل خيال، ولا بد لها من خصال روح ومدارك عقل ومزايا خلق ومثابرة جهد لا تتهيأ لغير الصفوة المختارين من الدعاة والمرشدين.
كذلك لا يفهم من خدمة «ولز» لحكومته في الحروب العالمية أنه من جملة أولئك «المستخدمين» السياسيين الذين تستغرقهم مصلحة الدولة، فلا تدع فيهم فضلة لخدمة «النوع الإنساني» كله، أو خدمة العالم على اختلاف أجناسه وأقوامه، فإنه لما حيل بينه وبين التصريح بآرائه الجريئة خلال الحرب العالمية الماضية لم يحفل بالرقابة المضروبة على الأقلام، ولا بالعقوبة التي تصيبه كما أصابت غيره من أحرار المفكرين، وأقدم على طبع كتابه عن الحرب والمستقبل غير مكترث بأوامر الرقيب، وهي مجازفة في البلاد الإنجليزية قد تسقط بالكاتب إلى الحضيض، ولكن الرجل قد جرى فيها على شنشنة معروفة فيه، وهي تقديس حرية الرأي في كل وقت وكل حالة، وعلى الرغم من كل خطة وكل ضرورة، والإيمان بأن هذه الحرية هي ضمان السلم والتقدم في عالم الغد المنشود.
ويتنبأ «ولز» - أو يرجو على الأصح - أن يصير العالم على نظام متحد في الحكومة لا تجور فيه دولة كبيرة على دولة صغيرة، وأن هذا النظام «سيتم خطوة خطوة هنا وهناك» كما قال في الكتاب الذي نحن بصدده، كيف؟ قال: «كما تم ابتداع الطيران، وكما تمت إلى الآن منظمات عالمية كاتحاد البريد والصحة البحرية ومقاومة الرقيق والتعاون البوليسي وجماعات الصليب الأحمر وما إليها»، أو كما قال في تاريخه الموجز للعالم: «ربما تنبهت الدنيا يوما، فإذا هي محكومة من حيث لا تشعر في الشئون المشتركة بينها كما تحكم المنظمة الواحدة، وهي مع ذلك يعز عليها أن تدرك أن حكومة عالمية قائمة ...»
ولا يعتمد ولز على تدبيرات الساسة وإجراءات الحكومات كما يعتمد على التعليم والدعوة الروحية أو الفكرية، ويشمل بالتعليم أمم آسيا التي يحكمها المستعمرون، فيقول عن هذه الأمم: «إن عددا كبيرا من هؤلاء الناس لهم أذهان كالأذهان الأوروبية المتوسطة أو خير منها، وإنك لتستطيع في جيل واحد أن تثقف العالم كله إلى مستوى خريج كمبردج - وهو ليس بالمستوى الشامخ جدا - إن كان لديك ما يكفي من المعاهد والأجهزة والمعلمين»، ثم يتساءل: «لم لا نقرر أن الاتحاد حيثما امتد يعني تعليما قويا جديدا في البنغال وفي جاوة وفي حكومة الكنغو الحرة، كما في تنيسيا أو جرجيا أو إسكتلندا أو أيرلندا؟! لم لا نقل بعض الإقلال من التفكير في التحرير التدريجي بالتصويت وتجارب الاستقلال المحلي وما إليهما من الأفكار القديمة؟ ونكثر بعض الإكثار من تحرير العقل، لم لا نترك هذه الشقشقة القديمة عن الشعوب التي لم تنضج سياسيا؟»
ولا يفصل ولز بين التقدم السياسي والتقدم الاقتصادي في التوجه بالأمم إلى هذه الغاية المرموقة من الوحدة العالمية، ولكنه لا يبالي بوحدة العملة كما يبالي بوحدة المعيشة ووحدة التربية؛ لأنه لا قيمة للنقد ولا معنى لتوحيده إن لم يكن عنوانا على معيشة واحدة أو نظرة واحدة إلى أغراض الحياة وخيراتها ووسائل المتعة فيها.
अज्ञात पृष्ठ