दिरासत फलसफिया इस्लामी
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
शैलियों
خامسا: خاتمة: الوعي التاريخي
إن الموقف الحضاري هو الأشمل والأعم على التيارات الرئيسية الثلاثة المتمايزة في نهضتنا الحديثة منذ القرن الماضي. وعدم الوعي التاريخي به هو السبب في كبوة الإصلاح. وما زال الموقف الحضاري لم يتغير ذا أبعاد ثلاثة؛ الموقف من القديم، والموقف من الغرب، والموقف من الواقع. إن الموقف الحضاري الآن بناء على الوعي التاريخي يقتضي أخذ موقف نقدي من القديم وليس الدفاع عنه. كما يقتضي ثانيا، أخذ موقف نقدي من الغرب وليس الدفاع عن الغرب. ويقتضي ثالثا، أخذ موقف نقدي من الواقع وليس دفاعا عن الواقع. كبا الإصلاح لأن الموقف الحضاري فيه كان الدفاع. ويمكن أن ينهض الإصلاح من جديد ويتحول إلى نهضة شاملة إذا ما تغير الموقف الحضاري من الدفاع إلى النقد، ومن الحماس إلى العلم، ومن الخطابة إلى التحليل، ومن الإنشاء إلى الخبر. ليست كبوة الإصلاح عيبا في الإصلاح، بل عيب في عدم تطوير الجيل الخامس له وإعادة صياغة مشروع الإصلاح طبقا لظروف كل جيل.
الفكر الإسلامي والتخطيط لدوره الثقافي المستقبلي1
أولا: مقدمة: تحديد المصطلحات
نظرا لاتساع مفاهيم الألفاظ وشمول الموضوع في مثل هذا العنوان «الفكر الإسلامي والتخطيط لدوره الثقافي المستقبلي»، فإنه يجب أولا تحديدها حتى يسهل استعمالها على نحو أدق، وكذلك تحديد الموضوع حتى يمكن فهمه والوصول فيه إلى نتائج محددة ويقينية قدر الإمكان. فتحديد الألفاظ شرط لتحديد الموضوع.
ويشمل العنوان ستة ألفاظ يمكن تحديدها على النحو الآتي: (1) «الفكر»: هو كل ما أبدعه الذهن في حضارتنا التي ورثناها منذ أربعة عشر قرنا. وهو لفظ لم يستعمله القدماء بل استعملوا بدلا منه لفظ «علم» وكأن الفكر لا يكون إلا علما، أي فكر له موضوع ومنهج، غاية ومقصد؛ لذلك قامت الحضارة الإسلامية من خلال تأسيس العلوم، العلوم النقلية والعلوم العقلية والعلوم النقلية العقلية.
1
بل إن لفظ «الفكر» لم يستعمل للدلالة على الفلسفة بل استعمل لفظ الحكمة بأنواعها الثلاثة، المنطقية والطبيعية والإلهية. فلفظة «الفكر» مستحدثة واردة من الغرب وشاعت في العصور الحديثة كبديل عن الإيمان أو كغطاء نظري للعالم وكإثبات لوجود الذات ثم انتقلت إلى فلسفات الحضارات، فأصبح لدينا الفكر اليوناني والفكر المسيحي والفكر اليهودي، ومنها خرج المستشرقون بمفهوم الفكر الإسلامي. ثم نقلناه نحن إبان نهضتنا الحديثة من الغرب، وأسقطناه على تراث القدماء.
ومع ذلك فلا مشاحة من استعمال اللفظ كما جرى عليه العرف، فالمعنى العرفي أحد معاني الألفاظ طبقا للأصوليين. الفكر في هذه الحالة يشير إلى كل ما أنتجه الذهن في حضارتنا سواء كان ذلك في العلوم النقلية أو العقلية أو النقلية العقلية. وهو ليس فكرا مجردا علميا رياضيا خالصا، بل هو فكر إنساني مرتبط بحياة الإنسان في كل أبعادها، حامل لعقائد وقيم ونظم وتشريعات، يعطي تصورات للعالم وموجهات للسلوك. هو فكر حي في نفوس الناس، وحاضر في شعور الأمة، قريب إلى وجدانها وحياتها وتاريخها، تعتمد عليه كحجة في الإقناع، وتستخدمه كسلطة في البرهان. يحتوي على دوافع التقدم كما يضم معوقاته. فالفكر بهذا المعنى يعبر عن مجموعة من المصالح المتباينة والأهواء المتعارضة، نصفه يؤيد النظم القائمة ضد المعارضة وهو «فكر السلطة»، والنصف الآخر يعبر عن موقف المعارضة ويشحذها ضد النظم القائمة وهو «فكر المعارضة»، فالفكر ينتج في أتون المعارك السياسية كسلاح عقائدي في دولة عقائدية ولجماهير مؤمنة. لذلك عبر فكرنا القديم في نصفه الأول عن سلطة الحاكم والطبقات الحاكمة، وفي نصفه الثاني عن ثورة المحكومين والأغلبية الصامتة. الفكر بهذا المعنى هو الموروث القديم عندما يتحول في وجدان الناس وفي شعور الأمة إلى تراكم تاريخي يحدد بناء الذهن ويوجه سلوك الناس وليس فقط عقلها، وجودها وليس فقط نظرها. (2)
أما صفة «الإسلامي»: فإنها تعني الفكر الذي نشأ من ثنايا الإسلام وبفضله وبعد نشأته؛ فقد عرف العرب الشعر والتجارة والديانات السابقة، وكانت لديهم مجموعة الأعراف والتقاليد والقيم العربية الموروثة، ولكن لم يكن لهم فكر بمعنى علم أو حضارة، نشأ الفكر الإسلامي إذن بنشأة الإسلام وهو السبب التاريخي في تسميته «الفكر الإسلامي». ومع ذلك هناك سبب آخر لا تاريخي؛ فالفكر إسلامي، يعني أنه ذو نمط محدد ويقوم على خصائص معينة سواء من حيث صفات الفكر العامة أو العقائد النابعة منه أو القيم التي يقوم عليها أو النظم والتشريعات التي يسنها، «الفكر الإسلامي» بهذا المعنى يختلف عن الفكر المسيحي أو اليوناني أو الغربي أو الهندي أو الصيني، كل فكر له طابع أو نمط أو «خصوصية»، ولا يوجد فكر عام شامل لا طابع له يمثل الإنسانية جمعاء، ويكون فكرا إنسانيا لا وطن له ولا حضارة ولا تاريخ ولا محل، حتى ولو كان الفكر في أعلى درجات التجريد والشمول. لا يوجد فكر إلا إذا كان تفكيرا على نحو معين، وبمنهج مميز حتى الفكر الرياضي أو العلمي. الفكر هنا بالضرورة حضاري تاريخي؛ لأن الإنسان الذي يفكر هو موجود حضاري تاريخي.
अज्ञात पृष्ठ