दिरासत फलसफिया इस्लामी
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
शैलियों
وهي أربعة: علم أصول الدين، وعلوم الحكمة، وعلوم التصوف، وعلم أصول الفقه. وهي العلوم التي جمعت بين العقل والنقل، أو التي استطاع فيها العقل أن يفرض على النقل. وهي أيضا تتفاوت فيما بينها في درجة اختراق العقل للنقل. وقد انتهت هذه العلوم منذ سبعة قرون إلى تراجع قدر العقل فيها، وتحولت إلى علوم تقرب من النقلية الخالصة؛ ومن ثم كانت القرون السبعة الأولى تمثل تقدما أكثر مما عليه نحن الآن. وبالتالي ساد النقل كلية، وأصبحنا نعاني من غياب العقلانية ولا ندري السبب، ولا نجد إلا العقلانية الغربية طريقا للخلاص. (أ) علم أصول الدين
وهو أول العلوم النقلية العقلية وأخطرها على معتقدات الأمة وسلوكها؛ فهو العلم الذي يمدها بتصوراتها للعالم ويعطيها أنماط سلوكها. فالعقيدة ليست مجرد إيمان انفعالي، بل هي تصور للكون على الفعل. وقد كانت القضية الأساسية في هذا العلم هي قضية «التوحيد» فقد كانت موطن الهجوم ومظان الطعان من الديانات المعاصرة والملل والنحل للأمم المغلوبة، فجلد المتكلمون جهدهم كله دفاعا عن التوحيد، فانتصر التنزيه الخالص، الله ليس كمثله شيء، ضد كل نزعات الحلول والاتحاد والتجسيم والتأليه والتشبيه الحسي. وتم إثبات صفاته الكاملة وقدرته اللامتناهية، وأفعاله من بعث للرسل وخلق للعالم وحشر للأجساد، وحساب وعقاب. ولكن استعملت النظم السياسية القائمة هذا التصور «المطلقي»
Absolutist
للعلم لحسابها الخاص وبدافع سياسي خالص. فما أسهل ما أن ينزلق الحاكم وراء صورة الإله المطلق فيتشبه به، ويأخذ صفاته، ويستعير أفعاله فيصبح الحاكم مطلقا مثل الله، وأفعاله واجبة الطاعة مثل أفعال الله.
أما اليوم فالموقف مختلف تماما: انتصر التوحيد، ولم يعد هناك من يظن أن الله ثالث ثلاثة أو من يعتقد أنه هذا الشخص أو هذا الجبل أو هذا النجم أو الكوكب أو الشمس أو القمر أو اللات أو العزى. إنما الخطر الآن في الأرض واحتلالها، والثروات ونهبها، والحريات وقهرها، ووحدة الأمة وتجزئتها، وهويتها واستغرابها. ومن ثم يمكن إعادة صياغة علم أصول الدين طبقا لظروف العصر؛ فالله في السماء وفي الأرض
وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله [الزخرف: 84]، والذي يستولي على الأرض فإنما يستولى على نصف الله، فالله «إله السموات والأرض»،
رب السموات والأرض . وهنا يتحول الناس إلى إيمان بالأرض قدر إيمانهم بالله، ويصبح تصور الله ذا مضمون وليس تصورا فارغا في مقابل صهيونية تربط بين الله والأرض، والشعب والمدينة، والمعبد والهيكل، في عقيدة الميثاق أو العهد أو أرض الميعاد، أو شعب الله المختار.
2
وإذا كان التشبيه (الأشعري) هو الذي ساد في تصورنا لله حتى قارب التشخيص، فإن التنزيه (الاعتزالي) قادر على تحويل تصورنا لله إلى مبدأ عقلاني شامل ينتسب إليه الناس جميعا، فنتحول إلى رجال مبادئ وليس إلى رجال أشخاص . وإذا كان القدماء قد استعملوا الطبيعة لإثبات وجود الله فدمروها وحكموا عليها بالفناء، فإننا اليوم نستعمل تصورنا للطبيعة للتأكيد على وجود الطبيعة وإثبات استقلال قوانينها واطرادها. وكيف يمكن العمل في عالم فان زائل لا يبقى ولا يستمر؟ وإذا كان القدماء قد أعطوا الأولوية للفعل الإلهي على الفعل الإنساني؛ فذلك لأن القدرة الإلهية كانت في خطر من جراء أفعال الطبيعة أو السحر أو الآلهة أو الأرواح. أما الآن فإن الفعل الإنساني في خطر من جراء أفعال الحكام وقدراتهم المطلقة والقوانين المقيدة للحريات. فالدفاع عن الفعل الإنساني أولى من الدفاع عن الفعل الإلهي. كما دافع القدماء عن النقل في عصر نزول الوحي وصحة الرواية في مواجهة ديانات تقوم على العقل أو الحس، أما الآن فإن العقل قد انحسر والحس قد توارى وساوى النقل، حتى أصبح سلطة بمفرده ممثلا في قال الله أو قال الرسول أو قال الزعيم أو قال الإمام أو قال المجاهد أو قال الرئيس. في حين أن كل الحجج النقلية حتى لو تضافرت لإثبات شيء على أنه يقيني ما أثبتته، ولظل ظنيا، ولا يتحول إلى يقين إلا بحجة عقلية ولو واحدة. كما دافع القدماء عن النبوة في عصرها ودليلها المعجزة في عصرها. أما نحن فندافع عن تحقق النبوة في التاريخ واكتمالها باستقلال الوعي الإنساني عقلا وإرادة، وأن المعجزة إعجاز؛ أي تحد للإرادة البشرية على الخلق والإبداع، بدلا من التقليد والاتباع. لقد دافع القدماء عن أمور المعاد وعن حياة الإنسان بعد الموت وخلود النفس في عصر كان الناس ينشغلون بأمور الدنيا. أما الآن فإن حياتنا بعد الموت ليست موضع تساؤل، ونفوسنا عامرة بالخير. إنما القضية في أمور الدنيا وفي الأبدان المعذبة جوعا وعطشا وعريا وعراء. لقد دافع القدماء عن الإيمان المتمثل في الشهادتين لفظا حتى يتسع المجال لكل الأمة. يجد كل منا فيها مكانا. أما اليوم فإن الإيمان عاجز، والشهادتين نطلقهما في كل مكان لفظا بالشفاه. والغائب هو العمل. ومن ثم ندافع عن العمل كجوهر للإيمان وأن من لا عمل له لا إيمان له. وقد يكون الخوارج أنسب لنا من المرجئة. ولقد تصور القدماء التاريخ على أنه سقوط وانهيار من الرسول إلى الصحابي إلى التابعي إلى تابعي التابعي، وكل جيل لاحق أقل فضلا من الجيل السابق
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات [مريم: 59]، حتى يئس الناس من التقدم، ونشأت الحركات السلفية ظانة أن كل تقدم هو رجوع إلى الوراء «خير القرون قرني»، فكيف تنهض أمة والتاريخ في وعيها سقوط وانهيار؟ لا يمكن أن يتم عمل سياسي لإيقاظ الجماهير وإحياء عقائدهم إلا بإعادة بناء النسق العقائدي واستبدال اختيار القدماء باختيار آخر؛ نظرا لتغير الظروف وتبدل المخاطر. أو على الأقل الاستفادة من النسق القديم على نحو يخدم القضية الاجتماعية الحالية. فلا يعقل أن يعبد مجتمع إلها عالما وهو جاهل، قادرا وهو عاجز، حيا وهو ميت، سميعا، بصيرا، متكلما، مريدا، وهو لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يريد! لا يمكن أن يتم عمل سياسي دون أيديولوجية، ولا يمكن صياغة أيديولوجية في مجتمع تراثي دون ما تحول لنسقه العقائدي القديم. (ب) علوم الحكمة
अज्ञात पृष्ठ