दिरासत फलसफिया इस्लामी
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
शैलियों
وإذا كان البرهان هو قمة المنطق أصبحت المباحث الثلاثة الأولى فيه: المقولات والعبارة والقياس ثلاث مقدمات له، والمباحث الأربعة التالية له تطبيقات عليه في الجدل والسفسطة والخطابة والشعر. وإذا كانت اللغة مادة المنطق التي عليها تتضح أشكال الفكر فإن اللغة هي أيضا وسيلة التعبير في الوحي. هناك إذن تطابق بين المنطق واللغة. المنطق مقولات وعبارة، واللغة ألفاظ وجمل، والقضية موضوع ومحمول، والجملة مبتدأ وخبر. إحالة المنطق إلى اللغة هو إحالة الوافد إلى الموروث، ووضع الحضارة اليونانية في تصور الحضارة الإسلامية، وعلى ما وضح في المناظرة الشهيرة بين المنطق والنحو بين متى والسيرافي. وقد تم عرض المنطق على العقل فقبله العقل؛ نظرا لما في المنطق من نسق هندسي. المقولة نقطة، والعبارة خط، والقياس خطان متوازيان، والبرهان: الموازيان لثالث متوازيان. فنظرا لأن المنطق عقلي والعقل أساس السمع؛ ظهر تطابق المنطق والوحي.
ولكن هذا هو فقط مقترحات الفلاسفة، ولا يمكن عزله عن باقي أنواع المنطق التي تقف من منطق الفلاسفة موقف النقد والرفض والعداء، مثل منطق الصوفية ومنطق الفقهاء. فلقد قدم الصوفية منطق الإشراق وهو منطق وجداني خالص، وإن أمكن صبه أيضا في أشكال القياس.
1
كما قدم الفقهاء منطق الحس والتجربة اعتمادا على الواقع والمشاهدة؛ تحقيقا للمنفعة وللمصالح العامة. إذن يمكن لجيلنا النظر إلى المنطق ككل واحد، منطق العقل الخالص عند الفلاسفة، ومنطق الشعور عند الصوفية، ومنطق الواقع عند الفقهاء، ونضيف عليه الجدل الاجتماعي ومنطق التاريخ.
أما الطبيعيات القديمة فهي كما تبدو طبيعيات عقلية مثالية، أقرب إلى رسم الطبيعة منها إلى علم الطبيعة. وعلى الرغم من أن مادتها من الوافد إلا أن تصورها وترتيبها من أسفل إلى أعلى على نحو صاعد، من المعادن والنبات إلى الحيوان والنفس، أشبه بطبيعيات الصوفية والارتقاء من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة، كما أن هذه المراتب ذاتها إنما هي توجهات من الوحي، وتحقيق لدعوته للتأمل في مظاهر الطبيعة وآيات الكون، وما أكثر وصف المعادن والنبات والحيوان والنفس في الوحي وكأن التطابق بين ثنائيات اليونان: الجوهر والعرض، الصورة والمادة، الكيف والكم، السكون والحركة، القوة والفعل، المعلول والعلة ... إلخ، وبين الطابع المثالي لوصف الطبيعة في الوحي. وكما أنه يستحيل التمييز بين موضوعات علم الطبيعة وموضوعات علم الميتافيزيقا، كذلك يستحيل التمييز بين الآية ودلالتها، بين دليل الحدوث وقدم الذات في الفلسفة الإسلامية. فالعلم واحد، سواء كان طبيعيات أم إلهيات؛ الطبيعيات إلهيات مقلوبة إلى أسفل، والإلهيات طبيعيات مقلوبة إلى أعلى. لذلك استحال فصل العالم عن الله، والحدوث عن القدم. أما النفس فهي موطن الالتقاء بين العالمين؛ عالم الواقع، وعالم المثال. كلاهما بعدان للنفس، ما أسهل إذن الحصول على دلالات معاصرة للطبيعيات القديمة وذلك بطريقتين؛ الأولى: معرفة كيفية تركيب الطبيعيات القديمة إلى طبيعيات معاصرة، أي إلى بعد طبيعي للشعور من أجل القضاء على الثنائيات الموروثة والتي تغذيها ثنائيات الحلال والحرام. والثانية: الكشف عن البعد الطبيعي للإنسان، ووضع الإنسان في الطبيعة لتحقيق تطابق العقل والوحي والطبيعة.
وإذا كانت الإلهيات طبيعيات مقلوبة فإن ما يبقى منها هو النفس والعقل؛ أي الإنسان من حيث هو قوى نظرية وعملية، ويدخل في ذلك الأخلاق والاجتماع والسياسة والتاريخ. ونظرا لأهمية هذا الجانب في عصرنا فإنه لا يمكن تركه محاصرا بين الطبيعيات والإلهيات القديمة كعنصر ربط بينهما دون أن يصبح قسما مستقلا. وبالتالي تكون بنية الفلسفة رباعية: المنطق، الطبيعيات، الإلهيات، الإنسانيات. وهو ما حاول إخوان الصفا إضافته في القسم الرابع فيما سموه «العلوم الناموسية والشرعية». وتكون المهمة في هذا الجزء الانتقال من الأخلاق الفردية إلى الأخلاق الاجتماعية، ومن ثنائية الفضائل والرذائل إلى توظيفها الاجتماعي طبقا للطبقات الاجتماعية: أخلاق الأمر والنهي للطبقة العليا، وأخلاق القانون والنظام للطبقة الوسطى، وأخلاق الفقر والقهر للطبقة الدنيا. إن وصف المدن الفاضلة سهل ما دام الأمر هو التعبير عما ينغي أن يكون، ولكن تحليل الجدل الاجتماعي ووصف واقع الناس ومعرفة أسباب الانهيار وشروط التقدم هو الأنفع والأقرب إلى تحقيق مصالح الناس. وإذا كان القدماء قد أفاضوا في إثبات خلود النفس وفناء البدن وكسبوا المعارك النظرية فإن المحدثين يستطيعون وصف مآسي البدن؛ فمآسينا من جوع وقحط وعري، ومشاكلنا في المواصلات والإسكان والنظافة وضيق المكان؛ كلها آتية من سوء تدبير البدن. ومن هنا تنشأ مشاكل النفس بصرف النظر عن قدرة الصفوة على تجاوزها والإبقاء على طهارة النفس، رغما عن ضرورات البدن.
2
ثامنا: خاتمة: مسئولية من؟
هذا بحث في الفلسفة والتراث وحال الأمة. وإضافة الطرف الثالث الذي يعبر عن ماهية العلاقة بين الطرفين الأولين ضروري، وإلا كان البحث في الفلسفة والتراث أشبه بما هو سائد حاليا في نداوتنا العلمية ومحاضراتنا الجامعية. وتلك مهمة المؤتمر الفلسفي العربي وما قد ينبثق منه من جمعية فلسفية عربية تحقيقا وفعلا، تكون الموطن الطبيعي لإبداعات فكر الأمة بعد أن انتظر الناس طويلا أهل الحل والعقد وعلماء الأمة، وكما انتظروا أيضا أولي الأمر الذين وضعوا العربة أمام الحصان.
1
अज्ञात पृष्ठ