दिरासत फलसफिया इस्लामी
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
शैलियों
كانت الفلسفة في التراث آخر العلوم العقلية النقلية ظهورا؛ إذ إنها نشأت متأخرة بعد عصر الترجمة، في حين نشأت العلوم الأخرى، أصول الدين وأصول الفقه وجماعات الزهاد والعباد والبكائين وهم بدايات التصوف، منذ أواخر القرن الأول، فالفلسفة لا تنشأ إلا بالتعامل مع الآخر، وبعد لقاء مع تراث آخر بعد ترجمته والتعرف عليه. لذلك كان القرن الثاني هو عصر الترجمة والذي استمر حتى الثالث والرابع، ثم تحول بعض المترجمين أنفسهم إلى شراح وفلاسفة كما كان بعض الفلاسفة الأوائل مترجمين.
1 (2)
نشأت الفلسفة إذن كقراءة لنصوص لتعرف الأنا على الآخر. لم تنعزل الحضارة الجديدة عن حضارات الغير ولا حاولت القضاء عليها كما فعلت الحضارة الأوروبية إبان الأوج الاستعماري مع حضارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بل تم التعرف عليها باحترام شديد، بل والدفاع عنها وتأصيلها وإكمالها وتبنيها، ثم صبها في حضارة الذات. وما تم في الفكر ثانيا قد تم في الواقع أولا عن طريق التزاوج والتصاهر بين الفاتحين الجدد والمفتوحين القدامى، بين حاملي الدين الجديد وبين المتحولين إليه من أنصار الديانات القديمة.
2 (3)
وكانت الترجمة ذاتها قراءة. فلم يكن الهدف النص المترجم بل كان الهدف هو الترجمة ذاتها. لم يكن يهم التطابق الحرفي بين القراءة والمقروء بل التطابق المعنوي لدرجة تغيير النفل حتى يتفق مع المعنى المفهوم والذي أمكن فهمه بفضل تصور الأنا المتكامل للعالم النابع من الموروث القديم، حتى ولو لم يكن الناقل مسلما دينا فإنه كان مسلما ثقافة. لذلك يخطئ الناشرون المحدثون للترجمات العربية القديمة عندما يصححونها بناء على النصوص اليونانية القديمة أو على ترجماتها إلى اللغات الأوروبية الحديثة. فموقف الناقل القديم لم يكن موقفا استشراقيا حديثا يهمه ضبط النص بموضوعية تاريخية فقهية لغوية نصية، بل كان موقفا حضاريا ينقل النص بعد قراءته وفهمه، ثم وضعه في صياغة عربية مفهومة كمرحلة أولى، تتبعها مراحل ثانية مثل الشرح والتلخيص، ثم مرحلة ثالثة هي التأليف الإبداعي الخالص سواء في الوافد وحده، أي حضارة الآخر لإعطاء تصور شامل لها، أو باجتماع الوافد والموروث، ثقافة الآخر مع ثقافة الأنا في إبداع ثالث جديد. (4)
وقد تمت الترجمة على مرحلتين: الأولى حرفية؛ حرصا على «حدود» النص المقروء، وحماية له من سوء التأويل، وأمانة علمية بلغة عصرنا، إلى أقصى حد؛ حرصا على دقة الفهم، والثانية معنوية حرصا على المعنى وهو المقصود من اللفظ. فإذا كانت الترجمة الأولى محاولة للتعرف على الآخر فإن الثانية هي قراءة له، أي تجاوز ألفاظه وتعبيراته إلى معانيه وتصوراته، ثم التعبير عنها بلغة عربية تلقائية. فإذا كانت الترجمة الأولى نقلا فإن الثانية تأليف غير مباشر. وغالبا ما قام مترجم واحد بالترجمتين معا إذا ما تجاوز عمره عمر جيلين.
3
لم تكن الترجمة استبدال لفظ بلفظ وكأنها مجرد نقل اعتمادا على المعاجم اللغوية، بل كانت نقل تصور الآخر للعالم إلى تصور الذات، مع تغيير ألفاظ الآخر لتتفق مع تصورات الذات كلما اقتضى الأمر ذلك. فمثلا إذا كان النص المنقول يستعمل لفظ «الآلهة» فإن اللفظ الناقل يستعمل بدلا عنه لفظ «الملائكة». ففي تصور الآخر لا ضير من تعدد الآلهة في حين أنه في تصور الأنا الله واحد، والتعدد فقط للملائكة ولسائر المخلوقات.
4 (5)
وقد استغرقت الترجمة القديمة جيلين اثنين حتى ظهرت بوادر التأليف. بل إن بعض المترجمين كانوا مؤلفين كما كان بعض المؤلفين مترجمين.
अज्ञात पृष्ठ