दिरासत फलसफिया इस्लामी
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
शैलियों
والضحية الرئيسية لهذه الأزمة هي ظروف العصر التي تم إسقاطها كلية من الحساب؛ مما ينتج عنه حيرة طلاب الفلاسفة بين التراث القديم والفلسفة المعاصرة. ومع ذلك نشكو من عدم ارتباط مقرراتنا الفلسفية بروح العصر وعدم تعرضها لمشاكله، ونثير الموضوع على صفحات الجرائد وفي أجهزة الإعلام كنوع من تبرئة الذمة أمام النفس، وكأننا على وعي بالأزمة ونحاول جاهدين إيجاد حل لها. والسبب واضح وهو حصار طالب الفلسفة بين هذه الجبهات الثلاث: تراثنا القديم، والتراث الغربي المعاصر، وواقع عصرنا وهمومه، دون ما رابط عضوي أو تفاعل بينها. والحل واضح وهو تحديد الموقف بدقة من هذه الجبهات الثلاث وإيجاد عناصر التفاعل بينها؛ حتى لا يميل وعينا القومي تجاه أحد منها متناسيا الآخر تماما ومتجاهلا إياه فيهزم فيه؛ إذ تخرج «السلفية» من الجبهة الأولى، كما تخرج «العلمانية» من الجبهة الثانية، وتحاول «الإصلاحية» الخروج من الجبهة الثالثة. وكل فريق يتجاهل الجبهتين الأخريين أو يكتفي بمعاداتهما وتكفيرهما، لا فرق بين هذا الفريق أو ذاك.
وقد يكون أحد أسباب هذه الأزمة هو أن الجبهتين الأولى والثانية، أعني التراث القديم والفلسفة الغربية المعاصر؛ هو عدم تساويهما من حيث العمق التاريخي. فالتراث أعمق من الفلسفة في وعينا التاريخي. إذ يمتد التراث في وعينا القومي أكثر من أربعة عشر قرنا، في حين أن الفلسفة الغربية وليدة فيه منذ قرنين من الزمان. فهي لم تكون تراثا قديما بعد، والأجيال التي عملت فيه لا تتجاوز الجيلين أو الثلاثة، بل إن التراث الغربي عند أصحابه ما زال معاصرا بالنسبة إلى تراثه القديم في العصر الوسيط أو في العصر اليوناني. وهو أيضا كذلك حتى عند الاتجاهات المحافظة في الفلسفة المعاصرة مثل التوماوية الجديدة التي تعتبره مجرد قوسين، تأويلا جديدا لموضوعات أساسية في العصر الوسيط، وإذا كان التراث أكثر رسوخا في وعينا التاريخي من الفلسفة فإن التعبير «التراث والفلسفة» يكون أصدق من «الفلسفة والتراث». فالأولوية للتراث على الفلسفة لأنه أعمق تاريخيا وأرسخ وجدانيا في وعينا القومي.
وقد يكون أحد أسباب عدم التوازن في وعينا القومي بين التراث والفلسفة هو أن التراث معلوم الهوية؛ إذ يعني تراثنا القديم أنه يعبر عن هوية الأنا، في حين أن الفلسفة والتي قد تعني الفلسفة الغربية المعاصرة، أقل وضوحا في التعبير عن الهوية، وهوية من؟ هوية الأنا أم هوية الآخر؟ وإذا كانت هوية الأنا فهل هي هوية الأنا القديم أم هوية الأنا المعاصر؟ وبالتالي ينشأ في الأنا ولاء مزدوج لهويتين غير متكافئتين؛ هوية القديم برسوخه وعمقه التاريخي، وهوية المعاصر بحداثته وغربته. وتشتد الأزمة بحيث يستحيل الجمع بين التراث والفلسفة بحرف العطف لأن العلاقة بينهما علاقة صراع وتضاد منذ نهضتنا الحالية. فإذا كان التراث يعبر عن «الأنا» والفلسفة تعبر عن «الآخر»، فإن علاقة التراث بالفلسفة تحددها علاقة الصراع بين الأنا والآخر، بين التحرر والاستعمار، بين الشرعية واللاشرعية، بين الجماهير والصفوة، بين المحكومين والحكام. وهل يمكن حل هذا الصراع بين الأنا والآخر، بين الجبهتين الأولى والثانية إلا في الواقع المباشر، أي الجبهة الثالثة، حيث يدور القتال؟
3
ثالثا: مظاهر الأزمة
وتبدو الأزمة في تعاملنا مع التراث القديم في نقل علومه كلها دون ما اختيار أو تطوير. فغالبا ما ننقل الفلسفة والكلام والتصوف دون أصول الفقه مع أنه، وكما نبه على ذلك رواد البحث الفلسفي في عصرنا، أهم مواطن الإبداع في فكرنا الفلسفي المنطقي المنهجي. وما زال قابعا في كليات الشريعة في الجامعات الدينية مثل الجامعة الأزهرية، والجامعات الإسلامية بأم درمان والقرويين والزيتونة أو في كليات الحقوق في الجامعات الوطنية، مطويا في الشريعة الإسلامية وكأنه أحد مقدماتها دون مقارنة بينه وبين العلم الموازي له في التراث الغربي؛ أعني منطق القانون ومناهج تفسيره.
1
أسقطنا أصول من الفقه الحساب مع أنه منطق النص، وروح الحضارة، ومنهج الفكر، وموطن الإبداع، وبالرغم من شكايتنا المستمرة من غياب الفكر المنهجي في فكرنا المعاصر، ودعوتنا إلى أهمية المنهج في الفكر الغربي.
وفي تدريسنا للعلوم العقلية النقلية الأربعة وضعناها كلها على مستوى واحد دون أن نفضل بعضها على بعض، فعلم الكلام كالفلسفة وكالتصوف سواء بسواء دون تمايز بينها من حيث الأهمية أو النفع بالنسبة لعصرنا الحاضر بل ودون جدل بينها، هذا الجدل الذي أدركه القدماء. فالفلسفة تطوير للعقائد في الصراع الدائر بين المتكلمين والفلاسفة.
2
अज्ञात पृष्ठ