दिरासत फलसफिया इस्लामी
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
शैलियों
مادة التراث إذن، مادة سمعية أكثر منها مادة مرئية، تعتمد على الأذن وليس على العين. ومن هنا أتت خبرة الأجيال والتواصل مع الماضي، والعيش مع «تجارب الأمم». (ج) تجارب الشعوب
لما كان التراث حيا في قلوب الناس فإنه اختلط بتجاربهم الفردية والاجتماعية، وخبراتهم التاريخية في السلم والحرب، في المجاعة والثراء، وفي الهزيمة والانتصار. وأصبح من الصعب التمييز بين ما يأتي من التراث المكتوب والتراث الحي للشعوب. حدث ذلك في «العهد القديم» خاصة، ثم في «العهد الجديد» بصورة أقل، وحدث أيضا في الحديث وفي العلوم الدينية، وإن لم يحدث في القرآن نظرا لعدم مروره بفترة شفاهية، وتدوينه مباشرة في لحظة الإعلان.
وهذا التقابل بين التراث المكتوب وتجارب الشعوب طبيعي. فالمعطى الديني ذاته كان نتيجة لتجارب الأمم وحصيلة رسالات الأنبياء. والإسلام بالنسبة للأمة العربية يمثل دين الطبيعة والفطرة. ومن ثم صعب التمييز بين ما يأتي من القرآن وما يأتي من الطبيعة والفطرة. لذلك اختلفت الأحكام على شعوب المنطقة العربية بين أكثر الشعوب تدينا وأقل الشعوب تدينا. الأول يخرج من الدين والثاني يخرج من الطبيعة. وهما في واقع الأمر شيء واحد لدى الأمة. وتؤيد ذلك النصوص الدينية مثل
صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة [البقرة: 138] أو
فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله [الروم: 30]. كما تثبتها الأمثال العامية مثل «اللي عاوزه البيت يحرم على الجامع». (2) تفسير التراث
ومن هنا كان تفسير التراث شرط النهضة الحضارية. فكل تراث يحتوي على اشتباه يفيد الضدين، ويحتوي على المعنيين المتناقضين سواء في التراث الديني المكتوب أو في التراث الشعبي أو في تجارب الأمم والشعوب. ونظرية التفسير لدى شعوب المنطقة تعادل نظرية المعرفة في الحضارة الغربية. (أ) مناهج التفسير
يحدث التفسير بعدة مناهج هي في حقيقة الأمر طرق لا شعورية أولا عند الناس، ثم تصبح مناهج شعورية عند المفكرين، وأهمها: (1)
قراءة الحاضر في الماضي. وليس للتراث معان موضوعية في نصوصه أو في تجاربه بل مجرد حامل تسقط عليه الاحتياجات الحالية. وحقيقة المعنى هو مقدار ما يثيره الحاضر في الماضي. فإذا كانت احتياجات العصر ومطالبه الحرية والعدالة فإننا لا نفهم من نصوص التراث إلا ما سد هذه الاحتياجات مثل قول عمر: «لماذا استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» أو القول المأثور: «العدل أساس الحكم». ويحدث الانقطاع عن الماضي إذا ما ظن الناس والمفكرون أن التراث يحتوي على معان في ذاته يتم إخراجها بصرف النظر عن الاحتياجات، فيظل التراث هائما في الأذهان لا يجد له مستقرا، ولا يحقق مطلبا. وهذا هو إشكال الذاتية والموضوعية. (2)
الانتقاء من التراث ما يحقق مصالح الأغلبية. فالتراث فيه كل شيء، ويحتوي على الشيء ونقيضه. ومن ثم فرضت احتياجات العصر نفسها كمقياس للانتقاء. فإذا احتاج العصر للعقلانية ظهر التراث العقلاني، وإذا احتاج العصر للعلمية ظهر التراث العلمي، وإذا احتاج العصر للأيديولوجية السياسية ظهر التراث السياسي. (3)
الاختيار بين البدائل، وإعادة الاختيار طبقا لاحتياجات العصر. فقد قدم التراث بدائل كثيرة: العقل والذوق، العبادة والمعاملة، العقل والنقل، النظر والعمل، التنزيه والتشبيه، الجبر والاختيار، التنزيل والتأويل. كما قدم التراث اتجاهات مختلفة: سنة وشيعة، أشاعرة ومعتزلة، مرجئة وخوارج، وكل اتجاه يمثل اختيارا سياسيا. ولما كانت ظروف العصر قد تغيرت فإن إعادة الاختيار بين البدائل، وعرضها كلها من جديد أمام الوعي القومي؛ يقضي على أحادية الطرف، وسيادة تيار وتكفير التيارات الأخرى. (ب) سلبيات التراث
अज्ञात पृष्ठ