इब्न खल्दून की मुकदमा पर अध्ययन
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
शैलियों
الدولة من المواضيع التي اعتنى ابن خلدون ببحثها اعتناء كبيرا، لقد خصص ما يقرب من ثلث المقدمة لهذا البحث؛ فإن مباحث الباب الثالث كلها تحوم حول «الدولة العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال»، ومن المعلوم أن هذا الباب من أطول أبواب المقدمة؛ لأنه يتألف من ثلاثة وخمسين فصلا، تقع في ثمانية وثمانين ومائة صفحة، زد على ذلك أن اثني عشر فصلا من فصول الباب الثاني أيضا تمت بصلة قوية إلى أمور الدولة؛ لأنها تبحث في منشأ الحكم وأسس الملك.
ابن خلدون يعرض ويشرح في هذه الفصول الكثيرة آراءه في كيفية تأسس الدولة، وتوسعها وتقلصها، وانقسامها، وانقراضها، وتطورها، ويستقصي أحوالها في كل دور من أدوارها وكل طور من أطوارها، ويتحرى العوامل التي تؤثر في كل ذلك؛ بتفصيل واف وتعمق كبير.
إننا حللنا وعرضنا آراء ابن خلدون في أسس الدولة في الدراستين اللتين كتبناهما «عن طبيعة الاجتماع ومنشأ الحكم»، وعن «نظرية العصبية»، فنود أن نتم هذا البحث هنا بدرس رأي ابن خلدون في كيفية تطور الدول. (1) نظرات تمهيدية (1)
لا يعرف ابن خلدون الدولة، بل يتكلم عنها كأنه يعتبرها من الأمور المعلومة والمفهومة التي لا تحتاج إلى تعريف، وكثيرا ما يردفها بكلمة «الملك»، ويقول في مواضع كثيرة جدا «الدولة والملك»، ومع هذا يستدل من بعض العبارات التي يكتبها أنه لا يعتبر هاتين الكلمتين مترادفتين تمام الترادف، بل يستعمل كلمة الملك في بعض المواضع بمعنى أخص من معنى كلمة الدولة، فيقول لذلك عن بعض الأمراء إنهم «ملوك على قومهم، يدينون بطاعة الدولة»: «من كان فوقه حكم غيره كان ملكه ملكا ناقصا، مثل أمراء النواحي ورؤساء الجهات الذين تجمعهم دولة واحدة. وكثيرا ما يوجد هذا في الدولة المتسعة النطاق، أعني يوجد ملوك على قومهم في النواحي القاصية يدينون بطاعة الدولة التي جمعتهم، مثل صنهاجة مع العبيديين، وزنانة مع الأمويين تارة، والعبيديين تارة أخرى، ومثل ملوك العجم في دولة بني العباس، ومثل ملوك الطوائف من الفرس مع الإسكندر وقومه اليونانيين» (ص188).
يظهر من ذلك أن الدولة في نظر ابن خلدون هي «الملك التام» الذي لا يكون فوقه حكم آخر، وأنها قد تجمع تحت حكم واحد عدة أقوام، وعدة ملوك على تلك الأقوام؛ ولهذا السبب كثيرا ما نرى ابن خلدون يضيف إلى كلمة الدولة صفة «العامة»؛ للدلالة على مقصوده هذا بوضوح أتم، فيقول «الدولة العامة» في مواضع كثيرة؛ تمييزا لها عن «الدولة» على وجه الإطلاق.
فنستطيع أن نقول: إن مفهوم الملك - في نظر ابن خلدون - ينطبق على مفهوم «الدولة» تمام الانطباق، ويختلف عن مفهوم «الدولة العامة» و«الدولة المتسعة النطاق» بعض الاختلاف.
وأما مفهوم «الملك» نفسه فيعرفه ابن خلدون في فصل الخلافة عندما يرى لزوما لتمييزه منها: «الملك السياسي هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار.» «والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها» (ص191). (2)
يلاحظ ابن خلدون أهمية الدولة بالنسبة إلى المجتمع، ويقرر أن الحياة الاجتماعية تستلزم الملك والدولة؛ لأنه يقول: «الدولة والملك للعمران (أي للاجتماع) بمثابة الصورة للمادة، وهو الشكل الحافظ بنوعه لوجودها، وقد تقرر في علوم الحكمة أنه لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر (أي انفكاك الصورة عن المادة)، فالدولة دون العمران لا تتصور، والعمران دون الدولة والملك متعذر؛ لما في طباع البشر من العدوان الداعي إلى الوازع» (ص376).
يشرح ابن خلدون هذا التأثير المتقابل - بين الدولة والعمران - بعض الشرح، ويستعمل خلال هذا الشرح تعبيرين جديدين؛ الدولة الكلية والدولة الشخصية. يقصد ابن خلدون بالدولة الكلية: الدولة في عهد أمة أو أسرة بأجمعها - على اختلاف أفراد الملوك - في حين أنه يقصد بالدولة الشخصية: الدولة في عهد ملك واحد من ملوك القوم، أو من أفراد الأسرة المالكة، إذ يقول: «فإذا كان «الملك والعمران» لا ينفكان، فاختلال أحدهما مؤثر في اختلال الآخر، كما أن عدمه مؤثر في عدمه.» «والخلل العظيم إنما يكون في خلل الدولة الكلية، مثل دولة الروم أو الفرس أو العرب على العموم، أو بني أمية أو بني العباس كذلك، وأما الدولة الشخصية - مثل دولة أنوشروان أو هرقل أو عبد الملك بن مروان أو الرشيد - فأشخاصها متعاقبة على العمران، حافظة لوجود بقائه، وقريبة الشبه بعضها من بعض. فلا يؤثر اختلالها في العمران تأثيرا كبيرا؛ لأن الدولة بالحقيقة الفاعلة في مادة العمران، إنما هي العصبية والشوكة، وهي مستمرة على أشخاص الدولة، فإذا ذهبت تلك العصبية ودفعتها عصبية أخرى مؤثرة في العمران؛ ذهب أهل الشوكة بأجمعهم، وعظم الخلل» (ص371).
غير أن ابن خلدون لا يعود إلى استعمال هذين التعبيرين في موضع آخر غير الموضع الذي ذكرناه. (3)
अज्ञात पृष्ठ