228

इब्न खल्दून की मुकदमा पर अध्ययन

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

शैलियों

إن الأذهان تميل عادة إلى الظن، بل إلى الجزم بأن جميع الصفات التي تظهر مشتركة بين الآباء والأولاد تكون وراثية، كما أن جميع الخصال المشتركة بين الأفراد تكون عرقية .

غير أن ذلك وإن كان صحيحا بالنسبة إلى الحيوانات التي تعيش عيشة انفرادية، فإنه غير صحيح البتة بالنسبة إلى الإنسان الذي يحيا حياة اجتماعية؛ لأن حياة الانفراد في الحيوانات لا تفسح مجالا لانتقال الأوصاف من الآباء إلى الأبناء عن طريق غير طريق الوراثة، وبواسطة غير واسطة الدم، فإذا شاهدنا أوصافا مشتركة بين أفراد جنس من أجناس الحيوانات؛ حق لنا أن نعتبر تلك الأوصاف وراثية، وساغ لنا أن ننعتها بنعت «العرقية».

ولكن أحوال الإنسان تختلف عن كل ذلك اختلافا جوهريا؛ لأن حياة الاجتماع عند الإنسان تفسح مجالا واسعا جدا لانتقال الأوصاف من الآباء إلى الأبناء من غير وساطة الدم أيضا؛ فإن الأولاد ينشئون نشأة اجتماعية منذ ولادتهم، فيكتسبون من آبائهم كثيرا من الخصال والصفات عن طريق المعاشرة، والمحاكاة، والتعلم، والاقتباس. ولهذا السبب نجد أن الأوصاف تنتقل عند الإنسان من الآباء إلى الأبناء، من غير وساطة الوراثة الفسلجية أيضا.

ولذلك نخطئ خطأ فظيعا إذا قسنا الإنسان بالحيوان في هذا المضمار، نخطئ خطأ عظيما إذا زعمنا أن جميع الأوصاف المشتركة بين الآباء والأبناء تأتيهم عن طريق الوراثة، وراثة فسلجية، كما نخطئ خطأ فظيعا إذا ذهبنا إلى أن جميع الأوصاف المشتركة بين أفراد الأمة تكون عرقية.

فيجب علينا أن نميز بين الأوصاف التي تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق الوراثة والدم، من التي تنتقل عن طريق المعاشرة والاقتباس، يجوز لنا أن نسمي هذا النوع من الانتقال أيضا باسم «الوراثة»، غير أنه يتحتم علينا في هذه الحالة أن نفرق بين هذا النوع من الوراثة، وبين النوع الأول منها، كما يترتب علينا أن نسمي الوراثة التي تتأتى من الدم والولادة باسم «الوراثة الفسلجية»، والتي تتأتى من الحياة الاجتماعية باسم «الوراثة الاجتماعية».

ولا نرانا في حاجة إلى التدليل على أن الأوصاف التي تنتقل من جيل إلى جيل بواسطة الدم وبصورة فسلجية، أقل بكثير من التي تنتقل عن طريق الحياة الاجتماعية. ويجب علينا أن نعلم علم اليقين أن شروط الوراثة الفسلجية أشد وأعضل بكثير من شروط الوراثة الاجتماعية، فإن المكتسبات الفردية لا تنتقل انتقالا فسلجيا فتصبح وراثية ما لم تتهيأ لها ظروف خاصة، وتتوفر فيها شروط معقدة، في حين أن انتقال المكتسبات الفردية عن طريق الأفاعيل والمؤثرات الاجتماعية يتم بمنتهى السهولة.

ولهذا السبب نجد أن آثار النوع الأول من الوراثة لا تتجلى إلا في نطاق ضيق وساحة محدودة، في حين أن أفاعيل النوع الثاني من الوراثة تتجلى على مقياس واسع جدا في ساحة تكاد تكون غير محدودة.

هذا ونستطيع أن نقول إن السبب الأساسي في تقدم النوع البشري بسرعة خارقة - بالنسبة إلى سرعة تحول الحيوانات - ليس إلا ما ذكرناه آنفا: سهولة انتقال المكتسبات الفردية من جيل إلى جيل، بفضل الحياة الاجتماعية البشرية وأفاعيلها، بجانب صعوبة انتقال تلك المكتسبات عن طريق الوراثة الفسلجية وحدها.

إن عدم التمييز بين هذين النوعين من الانتقال - وبتعبير آخر: بين هذين النوعين من الوراثة - ولد أخطاء كبيرة في تقدير منشأ الطبائع، وحمل الناس - كما حمل عددا غير قليل من العلماء - على توهم «عمل الوراثة» في الكثير من الأمور التي لا تمت إليها بأدنى صلة.

إن الأبحاث التي قام بها علماء الاجتماع لم تترك مجالا للشك في هذه القضية بوجه من الوجوه. (5)

अज्ञात पृष्ठ