धर्म
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
शैलियों
إن صاحب النظرية لا يكتفي بأن يكون الدين إلزاما أدبيا يفرضه المجتمع على الأفراد عقائد وعبادات أيا كان موضوعها وهدفها، إنه يريد أن يكون موضوع العقيدة وهدف العبادة هو الجماعة نفسها، وأن يكون الشعور الديني في نفس الفرد ما هو إلا انطباع آلي لصورة الجماعة في وعيه محوطة بهالة من التقديس، لما لها عليه من فضل في قوام حياته والدفاع عن كيانه، وأنه من أجل ذلك تختلف فكرة الإله وحدود سلطانه عند الجماعات باختلاف رقعة المجتمع ضيقا واتساعا. فإذا اختلطت العشائر واندمجت في فصيلة، ثم الفصائل في قبيلة، ثم القبائل في شعب، تطورت معها فكرة الإله تدريجيا ... حتى يصبح إله شعب برمته.
28
فليقل لنا إذا: من أين جاءت إلينا فكرة «الإله الأكبر» فاطر السماوات والأرض، وعلى غرار أي جماعة طبعت هذه الصورة؟ ثم ليقل لنا: كيف قامت الدعوات في أصغر الشعوب إلى تلك العقيدة الإلهية السامية التي ليس لها مثال تقاس عليه في مجتمعاتهم ولا في غيرها؟ إذ لا يزال بين الإنسانية كلها، بل بين العالم أجمع، وبين هذه الصورة العليا فراغ لا يمكن أن تملأه جماعة حقيقية ولا خيالية.
إننا نعود فنسجل اعترافا أخيرا من أصحاب هذه النظرية: «إن إقامة برهان شاف على الطابع الاجتماعي للدين لا تزال أمرا غير ممكن .»
29
أما بعد، فإننا لا ننكر كل أثر للجماعات في شأن الأديان.
إن الدين «كاللغة، وأسلوب التفكير، وأدوات التعامل، وغير ذلك من مقومات المجتمع» هو أحد أعصاب الحياة الجمعية وشرايينها، بل هو أقوى عناصرها، ومن ذا الذي ينكر أن الجماعة هي حارسة تلك المقومات، وأنها هي منهلها المورود للأجيال الحاضرة، وناقلتها إلى الأجيال المقبلة؟
غير أن المسألة في صيانة الأديان القائمة وتخليدها، بل في نشأة الديانات الجديدة وتكوينها.
ثم لا ننكر ما للجماعات من أثر خطير في التمهيد لهذه النشأة والتمكين لها؛ فالأمم حين تقف في مفترق الطرق بين القديم والجديد تستطيع في بعض لحظاتها التاريخية أن تغير مجرى تاريخها بقبولها للدين الجديد أو برفضها إياه، والداعي الذي لا يحسب إمكانيات أمته ومؤهلاتها إنما هو كواضع البذر في أرض سبخة لا يلبث نباتها أن يجتث من فوقها فلا يبقى له قرار، أو كالذي يعطي المريض طعاما لا تطيقه أمعاؤه فلا يلبث أن يلفظه.
إلا أنه لن يسوغ لنا - بهذا الاعتبار - أن نقول: إن العقل الجمعي هو الذي يخلق الأديان ويبرزها إلى الوجود، إلا لو ساغ لنا أن نقول: إن المعدة هي التي تخلق الطعام، وإن البصر هو الذي يحدث الضياء، وإن المريض هو الذي يبذل الدواء ... تلك كلها لا شك شروط ضرورية، ولكنها - كما يقول أهل المنطق - ليست شروطا كاملة، أو ليست أسبابا تامة؛ إذ لا بد من تعاون متبادل بين الطبيب والمريض، بين الباذل والآخذ، بين الفاعل والقابل، وإذا صح أن يقال: إن الأمم تخلق زعماءها، فمن الحق أيضا - وبالطريق الأحرى - أن الزعماء تخلق أممها. والأمة تلد زعيمها ولادة طبيعية، وتهيئ له وسائل تلك الزعامة؛ والزعيم يلدها بعد ذلك ولادة أخرى: روحية، أو سياسية، أو عسكرية، أو فنية، أو غير ذلك.
अज्ञात पृष्ठ