धर्म
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
शैलियों
إننا نرى لزاما علينا أن ننبه ها هنا إلى خطأ منهجي صريح، وقع فيه صاحب المنهج نفسه:
ذلك أن الذي يريد أن يصور الحالة الطبيعية للجماعة، يجب عليه بمقتضى القانون الذي وضعه الرئيس،
26
أن يستقرئ هذه الحالة من سلوك غالب أفرادها، في غالب أزمنتها وأمكنتها.
فإذا كان من المتفق عليه أن الدين يكاد يسيطر على كل شيء في حياة الجماعات الفطرية، أفلا يكون من أشنع المخالفات القانونية أن تلتمس الظاهرة الدينية عند هذه الشعوب في تلك الحالة النادرة، وذلك المظهر الاستثنائي الذي لا يتكرر في مجرى حياتهم العامة، وأن نهمل ما وراء ذلك من معتقدات وعبادات، وأخلاق وعادات، يتألف منها هيكل الحياة الشعبية؟
لئن كان الفيلسوف قد أصاب حين طلب إلينا أن نميز بين لونين متباينين في حياة الجماعة الفطرية، لقد عكس الوضع بعد ذلك، حيث جعل الشاذ منهما قاعدة للغالب، وأساء الاختيار، حيث أخذ اللون الإباحي اللاديني، فجعل منه حقيقة الدين.
على أنه لم يكن من العسير عليه أن يجد التفسير الحقيقي لهذا اللون الشاذ الماجن لو أنه وضعه في نطاق النظم الاجتماعية والأخلاقية لهذه الشعوب، وهي نظم تقوم على الفصل التام بين الجنسين، وعدم اطلاع أحدهما على شيء من دخائل الآخر، حتى إن المرأة لا يباح لها أن ترى الدم الناشئ عن عملية الختان للصبيان، وكذلك الصبي يبقى مبعدا عن الشئون الخاصة بالرجال إلى أن يحين وقت بلوغه، فهنالك فقط ينبه إلى فكرة الصلة الجنسية، ولا سيما في وقت ختانه، حيث يحتفلون في هذه المناسبة احتفالا مرحا، كما كان يحتفل بالختان في بلادنا الشرقية إلى عهد قريب، إلا أن الأستراليين يبالغون في المرح فيقدمون فيه نموذجا تخيليا ينبهون به أذهان المراهقين إلى حياتهم المستقبلة، مذكرين إياهم بأن هذه سنة الآباء والأجداد الذين يدين لهم الشعب بوجوده.
ولو أنا تتبعنا تفاصيل ما يجري في هذه الحفلات لرأيناها كلها تدور على محور هذا اللعب والمجون، ولرأينا بعد الشق بين هذه الملهاة الموسمية، وبين جد الحياة الطبيعية وقدسيتها عندهم، إنه لمن السخرية والتهكم إذن أن يعرض علينا هذا المسرح المتهتك باسم المحراب المقدس للأديان، وإنه لمن العجيب حقا أن الفيلسوف الذي جعل معيار الأشياء المقدسة هو حرمة انتهاكها، يجعل مظهر انتهاكها أو الترخص فيها هو مظهر الدين وجوهره، قائلا: «إنه لا تكاد تلتمس الظاهرة الدينية فيما سواه.»
ونعود الآن فنسلم جدلا جميع المقدمات التي ناقشناها.
نسلم صدق روايات الرحالة والسائحين، ونسلم براءتها من التناقض والاختلاف، ونسلم استقامة تفسيرها للوقائع، ونسلم صلاحية الديانات البدائية لتعريف فكرة الدين بوجه عام، ونسلم أن نظام القبيلة يمثل النظام البدائي، ونسلم أن نظام أستراليا الوسطى هو أقدم نظام للقبائل، ونسلم أن النظام التوتمي نظام ديني، ونسلم أن هذه التجمعات والاحتفالات دينية في جوهرها وأهدافها ...
अज्ञात पृष्ठ