धर्म
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
शैलियों
وهكذا شهدت هذه العلوم على نفسها بادئ ذي بدء بأنها لن تفي بحاجات العقول، ولن تؤدي رسالة المعرفة كاملة؛ إذ أزمعت أن تقف منها في منتصف الطريق، على أنها لم تكن لتدوم طويلا على هذا الموقف المحايد؛ فإن العالم الطبيعي لا يستطيع بما هو إنسان أن يهمل هذا الجانب من مطالبه العقلية، ولذلك نراه كلما وصل به العلم إلى مجموعة من الظواهر المتساندة التي يخدم بعضها بعضا والتي يقع كل منها في موضعه الذي كان لا بد منه للحصول على فائدة معينة؛ يعود قهرا عنه إلى البحث في العلل الغائبة من غير أن يسميها باسمها، فيسأل عن كل خلية في العضو، وعمل كل عضو في الجهاز، وعمل كل جهاز في الجسم ... إلخ. ويسمي هذه الأعمال بالوظائف، بدلا من اسم الغايات والمقاصد، وهو - كما ترى - برقع شفاف لا يكاد يستر ما وراءه، والمهم عندنا ليس هو الأسماء، وإنما هو تلك الحقائق التي يعترف بها اعترافا عمليا صامتا، والأهم من ذلك هو أن هذا العلم كلما جد في سيره لا يلبث أن يجاوز بضع خطوات حتى يقف عجزا واعترافا بأن أمامه ستارا كثيفا يحول دون منظر الغايات القصوى، والنهايات الأخيرة، التي لا يزال يتشوف إليها ولا يدركها. (6) الاعترافات العلمية
وبعد، فأي شيء أكبر شهادة على أن نهاية العلم البشري ليست هي إطفاء غريزة التدين، بل زيادة إشعالها، من أن مؤسس الفلسفة الواقعية وكبار أنصارها قد انتهوا إلى الاعتراف صراحة أو ضمنا بهذه الحقيقة، بناء على تجربتهم في أنفسهم، فهذا كونت
A’Comte
الذي كان يتنبأ بأن فناء الديانات سيكون هو النهاية الحتمية لتقدم العلوم، قد عاد في آخر أمره متصوفا عجيبا، وكلل حياته بوضع ديانة جديدة، طبعها على غرار النظام الكنسي للديانة الكاثوليكية: في عقائدها، وطقوسها، وأعيادها، وطبقات قساوستها ... رواية كاملة أعاد فصولها، ولم يغير إلا أشخاصها.
وهذا سبنسر
R. Spencer
ينتهي بأن يقول عن «المجهول»: إنه «تلك القوة التي لا تخضع لشيء في العقول؛ بل هي مبدأ كل معقول، هي المنبع الذي يفيض عنه كل شيء في الوجود.» أليس هذا «المجهول» هو بعينه موضوع الديانات، يجيئنا الآن باسم آخر على لسان العلم؟
وما أجمل الصفحة التي كتبها ليتريه
Littre
يصف نفسه حين كانت خاتمة مطافه في العلوم الواقعية أن رأى نفسه محوطا من كل جانب ببحر لجي من الأسرار الغامضة، وهو لا يملك سفينة يخوض بها لجته، وليس معه إبرة يتعرف بها وجهة سفره ... ترى كيف كان موقفه بإزاء هذا المحيط الرهيب؟
अज्ञात पृष्ठ