धर्म
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
शैलियों
نعم، إن معرفة الحق وتعظيمه لا يخلوان في غالب الأمر عن مظهر يتمثلان فيه؛ ولذلك تكاد لا تخلو حقيقة التدين عن عنصر عملي يكون حلقة الاتصال بين الدين والأخلاق، ويتحقق ذلك - على الأقل - في الجانب الإلهي من الواجبات الذي نسميه عبادة، لكن هذا المظهر نفسه قد تغمض معالمه، وتتضاءل صورته، حتى يصير كلمة تعبر عن العجز والحيرة في التماس طريق التوجه إلى ذلك السر الهائل، وإن دين الحنفاء من العرب في الجاهلية لهو أوضح مثال لهذه الحقيقة، فابن هشام يروي لنا عن أحد هؤلاء الحنفاء - وهو زيد بن عمرو بن نفيل - أنه كان يقول وهو مسند ظهره إلى الكعبة: «اللهم إني لو كنت أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ولكني لا أعلمه.»
1 (3) معنى الدين والخلق في المحادثات العصرية
بقي علينا أن نتساءل عن المعنى الذي يقصد إليه غالبا من كلمتي «الدين» و«الخلق» في محاورتنا العصرية، وهنا أيضا نجد بين الكلمتين من المرونة في التدخل تارة، والاستقلال تارة أخرى، ما يجعلهما دائما في شبه مد وجزر، ويجعل من العسير تحديد المراد من كلتيهما بصفة حاسمة، إلا أنه يلوح لنا أن هاتين الكلمتين لا تزالان تخضعان في استعمالنا للقاعدة المعروفة في الكلمات العربية التي من أسرة واحدة، مثل «الرأفة والرحمة»، و«البر والتقوى»، و«الإيمان والإسلام» وغير ذلك، وهي أن هذه الكلمات التوائم كلما اجتمعت في العبارة افترقت في المعنى، وكلما افترقت في العبارة اجتمعت أو مالت إلى الاجتماع في المعنى بقدر الإمكان، فإذا قلنا: «فلان ذو دين وخلق»، وجب - لكي تخلو العبارة من عيب التكرار واللغو - أن تؤدي كل من الكلمتين معنى مستقلا، منعزلا عن الآخر انعزالا كليا، بحيث يختص الدين بالجانب الإلهي، والخلق بالجانب الإنساني، فيكون معنى الدين: الإيمان أو التقوى الخاصة - أعني: القيام بفرائض العبادة - ويكون معنى الخلق: التحلي بالفضائل والآداب الاجتماعية.
أما إذا اكتفينا بقولنا: «فلان ذو دين»، وكان المفروض أن الدين الذي نشير إليه من الأديان الخلقية المعروفة، فإن كلمة الدين هنا تتسع لمعنى أختها المطلوبة أيضا، وحينئذ يراد منها التقوى الشاملة الكاملة، أعني: القيام بالفروض الإلهية والإنسانية معا.
وكذلك إذا اكتفينا بقولنا: «فلان ذو خلق» وكان مفهوما أن الأخلاق المتواضع عليها جامعة للحقوق الإلهية والإنسانية، ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى أنه حتى في هذه الحالة التي تأخذ فيها كلمة الخلق أوسع معانيها، لا تصبح تلك الكلمة مرادفة تماما لكلمة الدين؛ لأن هذه لا تزال تمتاز بعنصر نظري جوهري، لا يمكن سقوطه ولو ذهب غيره من الأجزاء، ذلك هو عنصر المعرفة بالإله والإيمان به، وهو عنصر لا يدخل في طبيعة مفهوم الأخلاق ؛ لأنها دائما ذات طابع عملي، وما اعتمادها - إن اعتمدت - على وازع الدين والإيمان إلا اعتماد على دعامة ووسيلة، لا على جزء متمم لحقيقتها، وفي وسعها بعد أن تستغني عن هذه الدعامة بباعث الوجدان أو غيره - كما أسلفنا - فلا يكون بينهما وبين الدين العملي إلا تشابه موضوعي، مع اختلاف البواعث والأهداف.
الفصل الثاني
الدين والفلسفة
(1) وحدة الموضوع فيهما
إذا نحن أحصينا ضروب المعرفة الإنسانية على كثرة اختلافها وفرط تنوعها؛ وجدنا من بينها ضربا يجري مع الأديان في مجال، ويكاد يعد من عصبتها أو من ذوي رحمها الأقربين، ولا نجد ضربا آخر يزاحمه أو يدانيه في هذا النسب. ذلك هو ما اصطلح العلماء على تسميته باسم «العلم الأعلى» أو «الفلسفة العامة».
أليس موضوع الفلسفة هو نفسه موضوع الدين؟ أوليست المشكلة التي تعالجها الفلسفة هي بعينها المشكلة التي انتدبت الأديان لحلها؟ فمطلب الفلسفة هو معرفة أصل الوجود وغايته، ومعرفة سبيل السعادة الإنسانية في العاجل والآجل، هذان هما موضوعا الفلسفة بقسميها العلمي والعملي، وهما كذلك موضوعا الدين بمعناه الشامل للأصول والفروع. (2) الأصول العامة التي تنفصل فيها الفلسفات المادية وبعض الفلسفات الروحية عن الأديان
अज्ञात पृष्ठ