दीन इंसान
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
शैलियों
Homo Sapien )؛ فقد وجدنا أن الدين هو إحدى السمات الرئيسية، التي ميزت هذا النوع عن غيره، منذ اكتسابه للخصائص الإنسانية التي نحن عليها الآن قبل أكثر من مائة ألف عام من عصرنا هذا. وقد رافقته، منذ ذلك الوقت المبكر لاستقلاله التام عن بقية الأنواع الحية على هذا الكوكب، كمحرض أساسي وهام في حياة البشرية عبر عصورها. وأريد أن ألفت النظر ابتداء إلى أن المقدمة الشخصية التي ابتدأت بها لا تطرح منهجا لبقية الكتاب، وأن الفصول القادمة ليست تأملات ذاتية في مسألة الدين، بل العكس هو الصحيح تماما؛ فإذا كان لكل مشروع دافع شخصي، فإن ما يميز مشروع البحث الموضوعي عن غيره هو قدرة صاحبه على الانتقال من الشخصي إلى الموضوعي، وتعديل الأول بما يتلاءم ومعطيات الثاني.
يميز وليم جيمس، الفيلسوف والسيكولوجي الأمريكي (1842-1910م)، في كتابه:
The Varieties of Religious Experience ،
1
بين نوعين من المحاكمة في دراسة الظاهرة الدينية، يدعو الأول محاكمة وجود
Existential Judgement ، والثاني محاكمة قيمة
. في المقترب الأول، يقوم الدارس بتقصي طبيعة موضوعه؛ أي تركيبه وأصله وتاريخه، وفي المقترب الثاني يبحث في أهميته وجدواه. ويرى وليم جيمس أننا لا نستطيع اشتقاق أحد هذين المقتربين من الآخر؛ لأنهما مستقلان تمام الاستقلال، وينشأ كل منهما عن مواقف فكرية متغايرة ؛ فمحاكمة الوجود موضوعية لا تعتمد معايير موضوعة مسبقا، أما محاكمة القيمة فذاتية تعتمد معايير يقوم الدارس بتبنيها مسبقا. فدراسة كتاب التوراة مثلا، من حيث طريقة جمعه وتحريره والأشخاص الذين عكفوا على صياغته، والشروط التي أحاطت بظهور هذا الكتاب وإتمام أسفاره، هي محاكمة وجود لا علاقة لها بتاتا بالتساؤل عن قيمة الكتاب كموجه روحي، فهذه محاكمة قيمة تختلف باختلاف المعايير التي يتبناها الدارس. من هنا، فإن حكم القيمة يختلف باختلاف مشارب الباحثين ومواقفهم الفكرية المسبقة.
ولقد تبنيت في كتابي هذا المقترب الأول، ووقفت في منهجي عند الحد الفاصل تماما بين الدراسة الوصفية والحكم القيمي.
إن ما أهدف إليه هو التعرف على الظاهرة الدينية كما هي، وعلى حقيقتها، وذلك عن طريق وصفها وصفا دقيقا، وعزلها عن بقية ظواهر الثقافة الإنسانية الأخرى المتعددة، وهو أمر على قدر كبير من الصعوبة والتعقيد، على عكس ما يخطر في البال للوهلة الأولى. فعبادة الموتى لدى بعض ثقافات العصر الحجري والعديد من الثقافات البدائية، قد صنفت خارج دائرة النشاط الديني من قبل بعض الباحثين المحدثين؛ لأنها لا تتوسل إلى قوى خالقة وخارقة تقع خارج الحيز المكاني والزماني المألوف. ومثلها أيضا تلك الممارسات والمعتقدات السحرية التي تقع في بؤرة الحياة الروحية لشعوب بدائية كثيرة؛ لأنها تتوسل إلى قوى غامضة غير مشخصة تتوسط بين الأسباب ونتائجها في حركة الطبيعة، وهي قوى لا تشبه الآلهة من قريب أو بعيد. وهناك أكثر من دين واسع الانتشار لا يؤمن أهلوه بإله ما، ولا يتعبدون لشخصيات ما ورائية من أي نوع، ولا ينتظرون منها منة ولا خلاصا؛ فإلى أي حد نستطيع أن نطلق صفة الدين على هذه الطرائق الروحية المغايرة لطرائقنا؟ ومن ناحية أخرى، لدينا فلسفات كبرى كالأفلاطونية المحدثة، شاعت وانتشرت، وساهم في بنائها العديد من العقول الجبارة، جعلت من فكرة الألوهة بؤرة اهتمامها، ومن الإله الأسمى الذي تعرفت عليه قطب الرحى في بنائها الفلسفي، فكان لها من الأتباع ما لأي نحلة دينية معروفة، ولكن أحدا من مؤرخي الأديان لم ير فيها دينا ؛ فما الذي تفتقد إليه أمثال هذه الفلسفات لتغدو دينا؟
ما هو الدين؟ هذا هو السؤال الأساسي الذي سنسعى معا إلى تلمس إجابات مرضية حوله، ولكن قبل الشروع في ذلك لا بد من كلمة حول منهج البحث.
अज्ञात पृष्ठ