दिमश्क मदीनत सिह्र वा शिअर
دمشق مدينة السحر والشعر
शैलियों
وعدوا الرقص من الفنون الجميلة، وقد ارتقى منذ عرف تاريخ العرب إلى أن فتحوا الأندلس ونقلوا إليها رقصهم الذي لا يزال إلى اليوم شائعا فيها بعد خروجهم منها قبل خمسة قرون، وكذلك الموسيقى الإسبانية، يرقصون بالصنجات كما كان يرقص الراقصات في دمشق، وكان لهم في الشام رقص يسمونه السماع، يرقصه عدة أشخاص على نغمات متساوقة من الأوتار وترديد جميل من الموشحات فقط، وهو أشبه بالأوبرا أو الأوبريت عند الإفرنج - أي القصائد الملحنة التي تمثل على نغمات الموسيقى - ويزيد رقص السماع على الأوبرا كونه ترفع فيه الأصوات بأنغام مألوفة، وقال بعض العازفين: إن رقص السماع هو الذي يعرفه الإفرنج بالباليه.
ونبغ في دمشق في القرن الماضي سنة 1282ه رجل من أبنائها البارعين في الموسيقى والغناء ونظم الشعر، وهو أبو خليل أحمد القباني، فأنشأ قاعة للتمثيل حازت القبول عند العارفين، ثم اضطهدته الحكومة بإغلاق محله ، فانتقل بفرقته إلى مصر ووضع هناك أيضا أساس التمثيل العربي الذي كان وضعه في دمشق على غير مثال احتذاه، ومن تأليفه روايات إلى اليوم تمثل في دور التمثيل، وتجد لها قبولا من نفوس المشاهدين، وكان لرقص السماع في رواياته التمثيلية قسط عظيم من العناية.
وحاول كثيرون من أربعين سنة تأليف فرقة للتمثيل فأخفقوا، مع أنه خرج من دمشق عدة ممثلين بارعين تفرقوا في أرجاء مصر والشام.
صناعات دمشق
عرفت دمشق في معظم عصورها بأنها مدينة صناعية، كما هي مدينة زراعية تجارية، ويرجع توفيقها في صناعاتها إلى وفرة المواد الأولية المستخرجة من أرضها، وإلى أن كل صنعة يتسلسل العمل بها في بيوت مخصوصة على الأغلب، فالصوف والقطن والكتان والقنب والحرير والوبر والمرعزي تنسج منه بزها وديباجها وأطلسها وأعبئتها وأغطيتها، والحديد والفولاذ والنحاس تصنع منه نحاسها وآلتها وقربها، ومن أخشابها تصنع مقاعدها ومناضدها وأصونتها ومرافق بيوتها وقاعاتها، ومن تربتها تعمل زجاجها وآنيتها وقاشانيها وآجرها، وهكذا في كل ما تنبت الأرض، ويدفن في بطنها من المعادن، قال الإدريسي: ولكل بلد ومدينة خاصية تحتفظ بها في نوع من الصناعة، وأهم ما كان منها في مدينة دمشق.
كانت هذه المدينة في القرن الرابع الهجري جامعة لضروب من المحاسن وصنوف من الصناعات، وأنواع من الثياب الحرير كالخز والديباج النفيس الثمين العجيب الصنعة، يحمل منها إلى كل بلد، ومصانعها في كل ذلك عجيبة، وقد احتوت طرزها على أفانين من أعمال الثياب النفيسة، ومحاسن جمة، فلا يعادلها جنس ولا يقاومها مثال، وقيل: إن اسم الدمقس مشتق من اسم مدينة دمشق، وأن الثياب التي يسمونها «داماسكو» وتصنع برسوم في جسم الثوب معمولة غليظة تنسب إلى دمشق. وكان الغزل والنسيج مما يعانيه جمهور الناس في الحاضرة والضاحية حتى شهد لهم بالبراعة في ذلك، ولكل قرية ولكل مدينة اختصاص بصنع شيء تعرف به ويعرف بها، وينفق ما يحاك من ذلك في بلاد الشام، وما زاد يصدر إلى الخارج.
قام في القرن الماضي والقرن الحالي أناس ممن يعانون صنع الثياب والنسيج من القطن والصوف والحرير، فوقفوا بما اخترعوا من الأنوال في وجه الثياب المصنوعة في الغرب، وعملوا «الديما» و«الألاجة» و«الشال»، وما برحت الصناعات الشامية على كثرة منافسة البضائع الأجنبية لها رائجة لمتانتها وجمالها، وثبات ألوانها، ورخص أسعارها، فإن ما يعمل في دمشق وضاحيتها من الشال والأطلس والأعبئة والملاءات والسجوف والشفوف القطيفة المخمل، ما هو زينة القصور وربات الخدور، ومن ذلك معامل كثيرة في هذه المدينة، وأنشئ فيها معملان لصنع الجوخ، لا تقل جودة مصنوعاتهما عما يصنع من نوعه في معالم الغرب، وتوفرت الأنوال لصنع البسط والطنافس، تروج مصنوعاتها لرخص أسعارها، وكانت صناعة زركشة القصب رائجة إلى القرن الأخير، وهي مما كانت دمشق تختص به.
وخصت أيضا بدبغ الجلد تعمل منه الأحذية والسروج والروايا والزكرات والصناديق وما شاكل ذلك، وهي جميلة ورخيصة، وأسس مؤخرا معمل عظيم لدبغها، أخذ يخرج الجلد الجيد الذي يباع ويروج في الشرق والغرب.
واشتهرت دمشق بالنجارة منذ الزمن الأطول، وما زال أهلها يتفننون فيها ويماشون الزمن في نشوئها، ينجزون الأبواب والدرفات والنوافذ وأصونة الثياب وخزائن الزينة والمناضد والكراسي والمقاعد والأرائك والمكاتب والإطارات والمغاسل، والصناديق والتوابيت والرحال وألواح درس الحبوب وأعواد الطرب، تعمل من خشب الجوز والزيتون والليمون والميس والعرعر والدردار والشربين والتنبوب والسرو والصنوبر مما يكثر في الأرض الشامية، أو من خشب الجوز الأميركاني والخشب الروماني والقيليقي وغيرها من الأخشاب المجلوبة.
كان يعمل كل ذلك بأدوات بسيطة تحركها الأيدي، وقد أقيمت معامل لنشر الأخشاب وتقطيعها وتجفيفها وتليينها وتزيينها ورصفها ونقشها، ومما يدل على متانة خشب الحور المعروف بالرومي تلك النموذجات التي بقيت منه محفوظة من القرن الخامس في دار الآثار، وكانت الصناديق تصنع إلى القرن الماضي من خشب الجوز فتقوى على القرون، وتحفر فيها نقوش وصور جميلة، ومن قبل كانت صناديق السرو مثال الصناعة المتينة، ومن الخشب المتين كانت تعمل الحلقات في القصور والقاعات القديمة، وقد بيع كثير من هذه الصناديق وهذه الحلقات من الغرباء، وهم يعدونها من أظرف الطرائف، لما خصت به من المتانة والجمال. وسر الإبداع في هذه الصناعة أن النجارين كانوا ينجرون أصلب الخشب، فأصبحوا اليوم يعتمدون على الكريش والشوح، وفيهما مواد قطرانية وتفعل فيما يصنع منها الرطوبة والحرارة، وهذا الخشب سهل على النجر وسريع إلى البلى.
अज्ञात पृष्ठ