धू नूरय्न उस्मान इब्न अफ्फान

अब्बास महमूद अल-अक्काद d. 1383 AH
56

धू नूरय्न उस्मान इब्न अफ्फान

ذو النورين عثمان بن عفان

शैलियों

كلمات لا ندري كيف نحيط بما فيها من فهم لكل شيء في إبانه وقبل موقعه: فهم لطبائع الناس، وفهم للخطر كيف يأتي، ومن أين يبدأ، زلة واحد تتبعها حيرة من الكثيرين، وماذا يصد ذلك الخطر من الزلة ومن الحيرة؟ تصده القدوة بولي الأمر، فلن يزالوا خائفين منه ما خاف الله.

وهكذا قد كان. •••

على أن المشكلة ظلت في قبضته الزمان على عهد عمر، بين قوة الخليفة وتورع الأجلاء من الصحابة، وشواغل الجهاد والفتح قبل استفحال قضاياه ونقائضه، وما برح الصحابة الكبار يتورعون من الشغلان بالثروة إلى ما بعد أيامه؛ فكان أقدرهم على التجارة وتثمير المال عبد الرحمن بن عوف يخجل أن يراه أحد منصرفا إلى شئون متاجره ومزارعه، وحدث ابنه إبراهيم عنه فقال: «إن رجلا زار المدينة ليلقى أصحاب رسول الله فلقيهم جميعا إلا عبد الرحمن بن عوف، وسأل عنه فقيل له إنه في أرضه بالجرف، فلما جاءه ألفاه واضعا رداءه وبيده مسحاة يحول بها الماء؛ فاستحى عبد الرحمن وأخذ رداءه وألقى المسحاة.»

قال إبراهيم: «فسلم الرجل ثم قال: جئتك لأمر ثم رأيت أعجب منه ... هل جاءكم إلا ما جاءنا وهل علمتم إلا ما علمنا؟ قال عبد الرحمن: ما جاءنا إلا ما جاءكم وما علمنا إلا ما علمتم، فقال الرجل: فما لنا نزهد في الدنيا وترغبون فيها ونخف إلى الجهاد وتتثاقلون عنه، وأنتم خيارنا وسلفنا وأصحاب نبينا

صلى الله عليه وسلم ؟ فعاد عبد الرحمن يقول: إنه لم يأتنا إلا ما جاءكم ولم نعلم إلا ما قد علمتم، ولكنا ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر.»

وقد دعا الأمر بعد قيام الفاروق بالخلافة إلى مضاعفة الحيطة في كل تدبير لجأ إليه الصديق على اتفاق مع صاحبه؛ لاتقاء الفتنة ومصاحبة التغير الطارئ بالسياسة التي تلائمه، وجعل يشتد في حيطته كلما تباعدت المسافة بين المجتمع الإسلامي في أوائل عهد الدعوة وبين هذا المجتمع بعد افتتاح العراق وأقاليم فارس الغربية والشام ومصر إلى حدود إفريقية الشمالية والسودان.

فمن سياسته في ذلك أنه ثابر على استبقاء كبار الصحابة إلى جواره في المدينة، وكان منهم من يسأله الخروج للغزو وللجهاد فيثنيه عن ذلك ويلقي في روعه معذرته المشهورة: «إن له في غزوه مع رسول الله ما يكفيه ويبلغه ... وهو خير له من الغزو اليوم»، ثم يقول له: «خير لك ألا ترى الدنيا ولا تراك ...»

وانتهج في محاسبة الولاة خطة حاسمة لا هوادة فيها مع أحد ممن أحسن أو أساء، فراقبهم جميعا أشد مراقبة، واتخذ موسم الحج موعدا لمراجعتهم وسماع أخبار الرعية عنهم، ومنهم من كان يعزله ويستدعيه إليه لغير جريرة يؤخذ بها إلا أنه لا يريد - كما قال غير مرة - أن يحمل فضل عقله على الناس، وأنه يخشى أن يفتتن الناس به إن لم يفتتن هو بالناس مع فتنة السلطان وفتنة النجاح.

وحظر على المقاتلين أن يملكوا الأرض والعقار، وكان له - كما قلنا في عبقرية عمر - نظام اقتصادي يوافق مصلحة الدولة في عهده، فكان يحض على التجارة ويوصي القرشيين ألا يغلبهم أحد عليها؛ لأنها ثلث الملك، ولكنه أبقى الأرض لأبنائها في البلاد المفتوحة، ونهى المسلمين أن يملكوها على أن يكون لكل منهم عطاؤه من بيت المال كعطاء الجند في الجيش القائم، وإذا أسلم أحد الذميين أخذت منه أرضه ووزعت بين أهل بلده وفرض له العطاء، وكان غرضه من ذلك أن تبقى لأهل البلاد موارد ثرواتهم، وأن يعتصم الجند الإسلامي من فتن النزاع على الأرض والعقار، ومن فتن الدعة والاشتغال بالثراء والحطام، وربما أغضى عن كثير في سبيل الإعانة على تعمير البلاد بأهلها؛ فصفح عن أهل السواد - العراق - ليأمنوا البقاء فيه ... مع أنهم حنثوا بالعهد وعاونوا الفرس على المسلمين في أثناء القتال، ويلوح من كلامه في أخريات أيامه أنه كان على نية النظر في تصحيح النظام الاقتصادي وعلاج مشكلة الفقر والغنى على نحو غير الذي وجدها عليه فقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على الفقراء»، ولم يرد في كلامه تفصيل لهذه النية، ولكن الذي نعلمه من آرائه في هذا الصدد كاف لاستخلاص ما كان ينويه، فعمر على حبه للمساواة بين الناس كان يفرق أبدا بين المساواة في الآداب النفسية والمساواة في السنن الاجتماعية، فكتب إلى أبي موسى الأشعري:

بلغني أنك تأذن للناس جما غفيرا، فإذا جاءك كتابي هذا فأذن لأهل الشرف وأهل القرآن والتقوى والدين، فإذا أخذوا مجالسهم فأذن للعامة.

अज्ञात पृष्ठ