धू नूरय्न उस्मान इब्न अफ्फान
ذو النورين عثمان بن عفان
शैलियों
كان بين الصحابة منزلة من منازل الفخر، يعتدون بها ويتعارفون عليها، وهي منزلة الرضى من رسول الله إلى يوم وفاته، وكان من الكلمات الجارية على الألسنة في معرض الثناء أن يقال عن الرجل إنه توفي رسول الله وهو عنه راض.
فهذه المنزلة كانت من مفاخر عثمان التي يذكرها ويذكرها له من يحمده، وكان في الطليعة ممن تحسب لهم هذه المفخرة بين الصحابة، وإنما كان شانئوه يتحدثون بتخلفه عن وقعة بدر وعن بيعة الرضوان؛ لينزلوا به شيئا من منزلته تلك التي ليس عليها خلاف.
وصارت الخلافة إلى الصديق وهو الذي أسلم عثمان على يديه، وطالت الصحبة بينهما من قبل الإسلام، وألفت بينهما مشابه كثيرة في الطباع والأخلاق، وكان أبو بكر يعتقد في عثمان الحزم كما قال له يوم فاتحه في أمر إسلامه، وليست هي من كلمات المجاملة في مقام الترغيب والارتفاع، فما كان أبو بكر بالرجل الذي يرسل الكلمات جزافا، ولا بالمتكلم الذي يعيبه أن يجامل أحدا بالصدق الذي يرضيه.
ولم يكن مستغربا بعد طول الصحبة أن يكون عثمان أقرب المقربين إلى الخليفة الجديد في أعمال سياسته وأواصر مودته، ولكننا هنا أمام عهد نادر من عهود الإنسانية تتقدم فيه النظرة إلى الدعوة القائمة على كل نظرة إلى ما عداها، وقد يحب الإنسان من يحب؛ لأنه أقرب إلى اعتقاده في نصرة الدعوة والأمانة لها والقدرة على خدمتها، وإن هذه الظاهرة العميقة الأغوار لمن أقوى ظواهر العهد وأحقها من المؤرخ بالانتباه إليها، وقد سبقت الإشارة إلى فعلها اللدني في الجمع بين النبوة والخلافة، وتخصيص الخلفاء الراشدين على غير تدبير، والتقديم بملازمة النبي في مقامه وسفره وغيابهم حين يغيبون بإذنه وفي رسالة من رسائل الدعوة النبوية، ثم ها هي تتكرر في التقريب بين الخليفة الأول وبين أوفق الصحاب لمعونته وملازمته والاطلاع على مقاصده ونياته، فلم يكن بين أبي بكر وعمر من الصحبة قبل الإسلام ولا من المشابهة في الخلق بعض ما كان بين أبي بكر وعثمان، ولكن أبا بكر وعمر كانا أوفق اثنين بين الصحابة للعمل معا في مهام الخلافة الأولى؛ فتلازما وتشاورا وتقرب بينهما في الدعوة ما تباعد في الخلق والخليقة، حتى كان من يريد الوقيعة يسأل أبا بكر متجاهلا: والله ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟ فيقول رضي الله عنه: هو لو كان شاء.
ويحق لنا أن نقول إن الأمر لم يكن باختيار أبي بكر ولا باختيار عمر، ولكنه كان باختيار المصلحة العليا التي غلبت على كل مصلحة في ذلك العهد النادر، وإنها لمن وحي الله.
في أيام أبي بكر لم يكن أحد بعد عمر أقرب إليه من عثمان، وكتب أبو بكر عهده الأخير وهو على سرير الموت وعثمان على جواره يملي عليه، فلما أفاق سأله: من كتبت؟
قال: عمر. كتبها وهو يعلم أنه لا يعدو بها نية الخليفة المحتضر، فإن أفاق أتم عهده كما أراد، وإن ذهب في تلك الغشية بطلت اللجاجة فيما أراد، وانسد باب الفتنة والخلاف.
قال أبو بكر وهو على سرير الموت مستريح إلى وفاء صاحبه، مطمئن إلى أمانة كاتبه: «بارك الله فيك! بأبي أنت وأمي، لو كتبت نفسك كنت لها أهلا.»
هذا هو أسلوب الصديق فيما يرتضيه لمجاملته وصدقه: كلمة حق توافق السامع ولا تخالف الحقيقة في ضمير القائل، ومما لا شك فيه أن أبا بكر كان يرى في عثمان أنه أهل للخلافة، وإن رأى عمر أحق بها منه. •••
ثم صارت الخلافة إلى عمر، ولم يكن عنده قريب أو بعيد غير من يقربه عمل أو يبعده عمل، ولم يكن للناس عنده أقدار غير أقدارهم عند الله وعند رسول الله، وكان يستمع إلى كل ويعتمد على كل، ويستبقي كبار الصحابة جميعا عنده؛ ليستعين برأيهم ويجنبهم غواية الدنيا إذا انطلقوا إليها، أو كما قال: إنه كان يخشى عليهم من الدنيا ويخشى على الدنيا منهم، فبقي منهم من بقي على رضى وموافقة، وبقي الكثيرون منهم على تبرم وملل، فلم يرسل أحدا منهم في البلاد إلا من أرسله في ولاية أو جهاد، ولم يكن يطيل الولاية لأحد منهم وإن أحسن وأفضل؛ مخافة على الناس أن يفتتنوا بإحسانه وأفضاله، إن لم يخف عليه أن يفتنه الناس.
अज्ञात पृष्ठ