وبداية علاقتي بالدين وأنا طفل، كنت أقف مع الأسرة في شرفة في آخر منزل درب البزازرة المطلة على شارع العباسية لرؤية «المحمل». وكان يوم المحمل عيدا وطنيا وعطلة سنوية. والمحمل كسوة الكعبة التي تصنع في مصر في منطقة الخيامية، وفي أجمل نقوش وألوان، وكانت تحمل فوق صندوق كبير على ظهر جمل، يتهادى بها من منطقة الخيامية حتى السويس، ثم تأخذه باخرة إلى جدة، ويأخذه جمل آخر من جدة إلى مكة لتغطى الكعبة بكسوة جديدة بدلا من القديمة، التي ترجع إلى مصر إلى حي الخيامية مرة أخرى، فتقص إلى قطع صغيرة تباع للمصريين لجلب البركة والتبرك بها. وكانت الهتافات عندما يمر الجمل: «اللهم صل على النبي». وكانت موسيقى الجيش تعزف أمامه طيلة الطريق من القاهرة وحتى ميناء السويس، وكانت الكسوة تصنع في مصر على نفقة الدولة المصرية وتنقل إلى مكة.
نشأت متدينا، أصلي مع الوالد في المساجد، خاصة في شهر رمضان. وذات يوم ونحن نصلي جنبا إلى جنب ونسجد، قام والدي بعد السجود واقفا، وأنا ظللت ساجدا؛ دفعني أبي بقدمه كي أقوم فلم أقم، ظن أنني قد أغمي علي، فسلم وخرج من الصلاة لكي يساعدني على الوقوف، وأنا لم أكن مريضا ولا بي أي عائق للقيام بعد السجود ولكنه كان لعب أطفال.
كنت أصوم رمضان مع باقي الأسرة، ولكن بين الحين والآخر وأثناء نهار رمضان عندما يشتد العطش كنت أشرب دون أن أقول، وفي المدرسة الثانوية كانت هناك أربعة تيارات أو أربع حركات سياسية للتلاميذ وهم في سن الصبا: الأول الوفد، ولكنا كنا نعتبره حزبا إقطاعيا بالرغم من وطينته. والثاني مصر الفتاة، وكان حزبا وطنيا ولكنه كان لا يتوانى عن استعمال العنف. والثالث الحزب الماركسي، الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني «حدتو». وكان أقل التيارات تعرضا للشبهات. وكان الرابع الإخوان المسلمون أكثر التيارات انتشارا وأقلهم نقدا.
وبالرغم من أننا كنا نخرج ونحن في المدارس الابتدائية لنشارك في مظاهرات الجامعة، لكننا لم نكن نعرف لماذا نشارك؟ كنا نعرف فقط أننا نتظاهر ضد الإنجليز، وأحيانا كنا نخرج بالقوة مع المدرسة، أساتذة ونظارا لكي نذهب إلى قصر عابدين في عيد ميلاد الملك ونغني له.
1
كنا نخرج من الفصول إلى فناء المدرسة، ونحن نهتف بهذه الشعارات، ثم نخرج إذا ما سمعنا أصوات تلاميذ مدرسة فاروق وفؤاد الأول اللتين كانتا تقعان في شارع الجيش (العباسية سابقا).
كانت الفكرة الشائعة أن مدرسة فؤاد هي الأشجع، يخرج تلاميذها أولا. ويذهبون إلى مدرسة فاروق في الجانب الآخر من الشارع؛ فيخرج تلاميذها معهم، ثم يأتون إلى مدرسة خليل أغا الأقل شجاعة في المبادرة بالخروج.
وكنا نسير في الشارع فيخرج معنا تلاميذ مدرسة باب الشعرية، ونسير حتى العتبة، ونأخذ الترام بعد أن يغير اتجاهه بفضل تغيير «السنجة». والذهاب إلى الجامعة كي نشارك في المظاهرات التي تعم البلاد ونحن صغار.
كنا نركب الترام والبعض يقف على سطحه يحمل الأعلام، وهو يحركها يمينا ويسارا محييا الناس.
كان ذلك في الأربعينيات أيام الحركة الوطنية المصرية، و«لجنة الطلبة والعمال» عام 1946م. وفي يوم عند خروج طلبة الجامعة في مظاهرة ضد الاحتلال البريطاني، والهتاف من أجل الحرية والاستقلال، فتحت الشرطة كوبري عباس أثناء عبور الطلبة حتى لا يصلوا إلى الجانب الآخر ويزداد عدد المتظاهرين، فغرق البعض، وأصيب البعض الآخر، وقبض على فريق ثالث. وهو ما صورته «لطيفة الزيات» في روايتها «الباب المفتوح» التي تحولت إلى فيلم فيما بعد.
अज्ञात पृष्ठ