رجعت بعدها لألمانيا، وظلت تراسلني، تظن أنني هذا الحبيب القديم الذي كان في البيت الألماني؛ فأرسلت لها رسالة بأنني لست الرجل الذي تريد، وليست هي المرأة التي أريد؛ فتعجبت في آخر رسالة لها من الحبيب الذي تغير وكانت تظن أنه ثابت على عواطفه الأولى، وهي لا تندم على اللبن المسكوب، وانتهت علاقتنا سواء في مرحلة الحب العذري أو ما بعده.
وظللت فارغا من الحب العذري على مدى ست سنوات منذ 1960-1966م. وعشت كما يعيش الطلاب الذين يودون قضاء وقت طيب في نهاية الأسبوع.
كان بجوار البيت الذي أسكن فيه بيت للطالبات المغتربات وفيه طالبات مصريات، عادت واحدة منهن إلى مصر؛ لتكمل رسالتها في الدكتوراه؛ لأنها لم تتحمل حياة الطالبات في فرنسا والتي كانت لا تستطيع أن تقضي عطلة نهاية الأسبوع بمفردها، وطالبة أخرى أرادت الصمود في باريس لتقضي نهاية الأسبوع في حجرتها، لا يكلمها أحد، ولا تكلم أحدا، لا ترجع إلى مصر، ولا تعيش كما تعيش الطالبات في فرنسا، وبعد عدة سنوات دخلت مستشفى الأمراض العقلية، يبدو أنه للكبت الذي عاشته، والاكتئاب الذي أصابها؛ فلا هي أكملت دراستها، ولا هي تمتعت بحياتها.
كان الحب ما بعد العذري شائعا وسط الطلاب والطالبات كنوع من استكمال الدراسة وتعلم الحياة، ولا حرج في تغيير الصديق لصديقته بعد انقضاء وقتهما معا، سواء قصر أم طال؛ فلقد قضيا وقتهما، واستكملا الدراسة، وتعلما الحياة، وزيادة في الخبرة، وتقوية الشخصية.
ولا حرج أن تترك الصديقة صديقها لنفس الأسباب، ولا يوجد اتهام بالخيانة، ولا تهديد بالقتل كما يحدث في الأفلام المصرية، ولا حرج عند العائلة أن تصطحب الفتاة صديقها إلى منزلها؛ ليقضي معها الليلة، ولا حرج أيضا أن يصطحب الصديق صديقته إلى منزله لتقضي الليلة معه؛ إذ تظن العائلتان أن الصداقة جادة، وتؤدي إلى الزواج، فلا زواج بدون صداقة قبله، وإن كانت الصداقة لا تؤدي للزواج.
ويقضي الصديقان نهاية الأسبوع معا، يسبحان في ربوع البلاد خلال الإجازات الطويلة؛ مثل عيد الميلاد، عيد الفصح، والإجازات الصيفية. والصداقة ليست فقط متعة، بل هي معرفة. ويختار الصديق أو الصديقة ما هو أنفع وأصلح لكليهما.
ازدادت معرفتي للغة الألمانية والقدرة على التحدث بها في البيت الألماني حيث أسكن داخل المدينة الجامعية ومع صديقاتي الألمانيات، وما أسهل التعرف على المرأة في المطعم الجامعي! فقارورة الماء مشتركة وكذلك سلة الخبز، فيختار الطالب مكانه بجوار طالبة، يقدم لها الماء أو الخبز بداية للتعارف.
فمنهن من تستجيب، ومنهن من تصرح مباشرة بأنها لا تحب الصداقة. فيلتزم الطالب بقرارها، غير أنه قد يحاول مرة أو مرات أخرى حتى تقبل الماء أو الخبز الذي يقدم لها وتستجيب للقهوة فيشربانها معا في مقهى المطعم حيث يعزمها عليها دافعا ثمنها الزهيد.
ويمكن التعرف على المرأة أيضا في المقاهي عندما تجلس المرأة بمفردها فيأتيها الرجل ليحييها ويستأذن للجلوس بجوارها، فتقبل ويتحادثان، أو ترفض فينسحب ويغادر إلى مائدة أخرى . فالمقهى في فرنسا جزء من الحياة الاجتماعية، كما كان المقهى في عصر نجيب الريحاني وسيد درويش في شارع عماد الدين. ولم تكن السينما مكانا أوليا للتعارف لاحترام المشاهدين والالتزام بعدم الكلام أثناء العرض. إنما يمكن التعارف أثناء الخروج أو الدخول أو أثناء قطع التذاكر أو حتى أثناء الاستراحة.
فكان يمكن كذلك التعارف في الحدائق العامة، خاصة حديقة لوكسمبورج في وسط الحي اللاتيني وحول النوافير «الفسقيات» التي يضع الأطفال فيها مراكبهم الورقية، فيساعد الشاب الطفل ويلاعبه وقصده ملاعبة الأم والتقرب إليها.
अज्ञात पृष्ठ