Lübke
ورحبت به باللغة الألمانية، فاستغرب! مصري رئيس لاتحاد الطلبة الألمان يلقي خطابا بالألمانية ترحيبا بالرئيس الألماني! ورد عليه الدكتور شتيفن
Steffen
مدير المنزل: هذه هي الديمقراطية . وفي المدينة الجامعية حيث يقطن طلاب العالم كله تطورت شخصيتي وتفتحت، فانتقلت من المرحلة الرومانسية إلى المرحلة الواقعية بعد عدة صدمات؛ ففي غرفة الدراسة في بيت الولايات المتحدة، كانت هناك طالبة في غاية الجمال تجلس بجواري على المائدة المجاورة وبيننا الباب، ينظر كل منا إلى الآخر دون حديث، وفي يوم رأيتها وقد التقطها طالب مغربي، وكانت هي من فنلندا، فندمت على تأخري في التعرف عليها. بعد ذلك تعرفت على أمريكية كبيرة في السن ضخمة الجثة ودعوتها إلى غرفتي في بيت ألمانيا، فقبلت بسهولة. ولما دخلت الغرفة ورأت حالي المتواضع، لا عربة ولا منحة ولا سكن وبمجرد جلوسي بجوارها على الكنبة قذفت بالملابس، وقررت المغادرة، فاستغربت. ومرة رأيتها مصادفة بشارع راسباي
Raspail
في تقاطع بول ميش وهي تسير معجبة بنفسها لعلها ترزق بصديق، فذهبت إليها وهي تعبر الشارع ودون أن أشعر لكمتها، وأنا الشرقي الذي لا يطيق الهجران، فرآني أحد الفرنسيين المارين الرياضيين، هرع إلي وضربني لكمة كادت أن تخرج فكي من وجهي قائلا: هكذا أنتم يا أهل الشرق تضربون نساءكم، أما هنا في فرنسا فذلك جريمة كبرى، وتحاورنا نحن الثلاثة حول هذا الدرس. ومرة أخرى رأيتها مع فيتنامي قصير رفيع، فسألت من هذا؟ فقالت لديه موتوسيكل وسكن ومال وسنجوب فرنسا محافظة محافظة سويا، فتمنيت لها التوفيق. وكنت معجبا بطالبة ألمانية أخرى ذات أنوثة أخاذة، وانتظرت هذا المصري الألماني أن يبادر، فلم أفعل، فالتقطها لبناني كان أخوه معنا في المنزل، ووعدها بالزواج ثم خدعها، وتركها في أثينا حيث أخذ الباخرة إلى بيروت، وعادت إلى ألمانيا كسيرة القلب، لديها فكرة سيئة عن العرب الخادعين، وحزنت. وفي هذه المرحلة الرومانسية كانت تدعوني بعض العائلات الفرنسية للعشاء عشما في زواج ابنتها، فكنت أذهب وآخذ الورد مما كان يكلف الكثير، وعلى العشاء في الساعة السادسة تنتهي منه في العاشرة. والابنة ذهابا وإيابا إلى المطبخ كما هو الحال في الأفلام المصرية تحضر صينية القهوة دون أن ترتبك. واعترفت لي الوالدة مرة بأزمة الزواج في فرنسا، فإذا وضعت المال في كفة وابنتها في الكفة الأخرى لشاب لاختار كفة المال، ونظل نرغي في مثل هذه الموضوعات التي تهم الأسرة ولا تهمني هذا الوقت الطويل، وأصاب بالصداع، وتقول والبنت وهي تودعني إلى الباب: نرجو أن نراك مرة أخرى، فأقول: إن شاء الله، آمل كذلك، ولا يرون وجهي بعد ذلك، مع أن العروس تجمع بين المال والجمال. حدث ذلك أكثر من مرة، وأحتار بين قبول الدعوة إلى العشاء وما يتعلق بها أو الاعتذار، وقلت في نفسي: ليتها عرفتني فتأخذ فكرة عن الشهامة العربية. وتعرفت على طالبة ألمانية نشطة، كانت تريد الزواج، وهو ليس في ذهني، فتركتني إلى طالب ألماني فصدمت، وبعد خمس سنوات أتت إلى باريس، فدعوتها إلى غرفتي، وانتظرت هي عريس المستقبل فلم تجد إلا شابا شقيا، يفعل ما يفعله جميع الطلاب، فخرجت ولم أرها بعدها؛ فلم تعلم أنني قد تغيرت، وأنني لم أعد الشاب الرومانسي القديم، ثم كتبت لي بعد عودتي إلى القاهرة بعد أن قرأت عني في الصحف الألمانية، فرددت عليها بالذكريات الجميلة التي انتهى عصرها. وكان مبدئي في ذلك الوقت: صادق أجنبية وتزوج مصرية، وإلا فلمن تترك المصريات؟ ثم عرفت ألمانية أخرى من البيت الألماني كان يحوم حولها الكثيرون، وظلت معي لمدة عام، لم تكن ذكية، عادت بعدها إلى موطنها الأصلي في ساربروكن
Saarbrücken
ثم عادت إلى باريس بعد عام لتعرف موقفي، وبعد أن بينت لها أن لا موقف لي إلا العلم، قالت: يا عبيط! وعادت إلى ألمانيا، ولم أرها بعد ذلك. والألمانية الأخيرة التي عرفتها وأنا في باريس ظلت معي حتى عدت إلى مصر، وجاءت بعدها إلى مصر لزيارتي، وطلبت من والدتي أن أتقدم لها ووافقت والدتي، فأجابتها: ولكنه لا يريد، وذهبت بمفردها إلى الأقصر وأسوان، ثم رأيتها في إحدى زياراتي إلى باريس، وتصورت أنها ما زالت صديقتي، فاستغربت؛ فإن الزمن قد ولى، ثم تلقيت منها رسالة أخيرة بعد أن قرأت عن فكري في إحدى الصحف الألمانية، ذاكرة إياي بالاسم بأنني أصبحت من كبار مفكري الوطن العربي من خلال مشروع «التراث والتجديد». رددت عليها وشكرتها، ولا أظن في العمر بقية حتى نتذكر ما مضى. وقد ازدادت معرفتي باللغة الألمانية منها على مدى أربع سنوات، وزرتها في هيلدسهايم
Hildesheim ، وتعرفت على أخيها المزارع ومربي الخنازير. زرت معها أرجاء فرنسا في الصيف وألمانيا وإسبانيا، تسوق عربتها، ثم نقتسم باقي المصاريف مناصفة. وفي ليلة استيقظت على ضجة في المزرعة، فأيقظتها وسألت: ما هذه الضجة؟ فقالت: مجرمون لصوص الخنازير. فقلت: ولماذا لا يطاردهم أخوك؟ قالت: لأنهم مسلحون قتلة، والأفضل أن نفقد خنزيرا أو اثنين على أن نفقد أخي، فتساءلت في نفسي: أين الشجاعة الألمانية؟
وبعد أربع سنوات إقامة بالمدينة الجامعية أقمت سنتين بغرفة مزدوجة مع مبعوث مصري في القانون الدستوري، وكان لديه صديقة روسية يقضي لديها عطلة نهاية الأسبوع، وأخرى فرنسية التي كان يراها وسط الأسبوع والتي زارته في مصر رغبة في الزواج منه، وكانت جميلة شقراء. وكانت لها صديقة فرنسية حاولت مصادقتها فلم أفلح بالرغم من جمال تسريحتها الأسبوعية؛ فلم أكن أستطيع التعرف عليها ولو حتى الصداقة. وكانت له صديقة طياري ثالثة جاءته مرة لزيارته. ولم يكن موجودا، فقالت وماذا أفعل الآن؟ فأجبت أنا موجود، فأجابت أيكما يقضي الأمر، ويقوم بالواجب. وأدركت حاجة المرأة للجنس بصرف النظر عمن يقوم به. وكانت الصديقة الروسية تود الزواج به بعد أن كان يقضي عطلة الأسبوع في منزل والديها، وتقدمه لهما على أنه صديقها، ولما لم يحدث ذلك قاطعته، فحزن حزنا شديدا، ولم يفرغ حزنه وهمه إلا صديقته الفرنسية. وبعد أن استنفدت جميع حقوقي كطالب في المدن الجامعية، سكنت من جديد في دانفير روشيرو آخر عام في غرفة السطح، وما زال اسمي على لوحة أسماء السكان للبريد؛ فالصداقة لها حقوقها مثل الزواج في بلادنا؛ فلا تجوز خيانتها. وفي السنة الأخيرة تعرفت بالمصادفة على فتاة فنزويلية قصيرة سمراء ولكنها مملوءة بالحيوية، تعلو فوق وجهها ابتسامة شرقية. ولما كنت من أنصار لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية دخلت قلبي في التو واللحظة. دعوتها إلى غرفتي فاستجابت، وكانت على علاقة بفرنسي يبدو أنه وعدها بالزواج. علمتني الحياة. كونت شخصيتي التجارب. ولا أدري إذا كنت قد أحسنت.
अज्ञात पृष्ठ