أولى بهذا القلب أن يعشقا،
وفي ضرام الحب أن يحرقا،
ما أضيع العمر الذي مر بي،
من غير أن أهوى وأن أعشق.
ومن أجل العلاج والعمليات الجراحية كنت نزيلا دائما بالمستشفيات. وأدركت الفرق بين المستشفى الخاص والمستشفى الجامعي؛ فالمستشفى الخاص أقرب إلى التجارة وليس إلى علاج للمرضى، يريدون منه المكسب أكثر مما يعطونه من العلاج. كنت في أحد المستشفيات التي أخذت اسما إسلاميا للتغطية على الكسب من المرض، والتجارة بالمريض. مكثت ليلة واحدة فيه، وكان ثمنها ثلاثة آلاف جنيه؛ فعجبت من الثمن المرتفع. وطلب مني أحد الأطباء أن أنتظر ليلة أخرى حتى يسأل الإخصائي أو الاستشاري عن إمكانية المغادرة، فسألته عن سبب ارتفاع ثمن الليلة بالمستشفى؟ فأعطاني كشف المصروفات، ورأيت أن علبة الزبادي الصغيرة التي أبتاعها من محل البقالة بحوالي جنيه واحد ثمنها في المستشفى خمسة وسبعون جنيها؛ فقررت الخروج بعد أن دفعت ثمن الليلة، وعدت إلى المنزل وأنا أفكر كيف أصبحت تجارة كبيرة؟!
وفي مرة أخرى كنت في حاجة إلى نقل دم؛ فذهبت إلى مستشفى خاص قريب في قسم الطوارئ. رأيت طابورا من المرضى وكان ترتيبي العشرين. فعجبت من الانتظار حتى في قسم الطوارئ والذي من المفترض يعتمد على السرعة! وطلبت ما جئت من أجله؛ نقل الدم لقلة البلازما، فطلبوا أن أدخل المستشفى حتى يقوموا بهذا الإجراء. وفي المستشفى رأيتهم يجرون كل التحليلات الممكنة وغير الممكنة، وكشوف الأشعة الممكنة وغير الممكنة. ومرت الليلة الأولى دون نقل الدم، وانتظرت الليلة التالية، فقالوا إن التحليلات لم تكتمل بعد، وأجروا أيضا التحليلات الضرورية وغير الضرورية. وعندما حل الليل سألت: «أين نقل الدم؟» قالوا: «إن الدم يأتي من مستشفى آخر قريب وأنه لم يصل بعد.» فقلت: «إن نقله لا يستغرق أكثر من ساعة، وأرجو إعطاء الدم الليلة فأنا لا أستطيع الانتظار أكثر من ذلك.» ومرت الليلة الثانية ولم يصل الدم بعد، فصرخت فيهم: «أريد الخروج!» قالوا: «انتظر، فالدم قادم.» قلت: «لا أريد دما بل أريد الخروج.» وصرخت فيهم عدة صرخات بأنهم تجار وليسوا أطباء، وأن هذا المستشفى بقالة كبيرة للتكسب، وليس مستشفى للعلاج؛ فأحضروا الدم بسرعة، ونقلوه عن طريق ساعدي. وقالوا: «انتظر حتى نحلل الدم، ونعرف هل تريد كمية أخرى أم أن نسبة البلازما قد وصلت إلى المستوى المطلوب أو ما يقرب منها!» فانتظرت الليلة الثالثة. وقلت لهم في الصباح أن يحضروا كشف الحساب لأنني سوف أخرج مهما كانت نتيجة التحاليل. كانت نتيجة التحليل قد قاربت المتوسط، فأردت الخروج، وكان الحساب تسعة آلاف جنيه، دفعتها في مقابل كيس واحد من الدم، يأخذون بدلا منه من أحد زوار المريض إجباريا ومجانا لإعطائه لمريض آخر بآلاف الجنيهات ، بالإضافة إلى إقامة ثلاث ليال دون داع. عرفت أن المستشفيات الخاصة تجارة، لا يدخلها إلا التجار، ورجال الأعمال، وسكان التجمعات والمدن الجديدة. كنت قد دفعت ثمانية آلاف جنيه عند الدخول، وأعطيتهم ألفا أخرى حين الخروج، وتساءلت: «وماذا يفعل الفقراء؟!»
وذهبت مرة أخرى إلى مستشفى القصر العيني والمعروف بالفرنساوي؛ لأن فرنسا هي التي أنشأته، وهو مبنى مجاور لكلية طب جامعة القاهرة وتابع لها، وعندي بطاقة علاج مجانية فيه، ولكني كنت سأدفع مقابل تكاليف إقامة المرافق. قضيت فيه يوما واحدا، ودفعت فيه خمسمائة جنيه تكاليف إقامة مرافقي تحت الحساب. ولما غادرت اليوم الثاني كان حسابه أربعمائة جنيه. وتعجبت لأنهم وعدوا بإرجاع باقي المبلغ بعد شهرين، ولم أستلم شيئا حتى الآن!
وعندما أغلق المستشفى بعد زيادة أعداد مرضى الكورونا، حولوني إلى مستشفيين آخرين لاختيار أحدهما، اخترت الأول القريب من مستشفى القصر العيني، وانتظرت مدة ساعتين عند المدخل؛ لأن مدير المستشفى كان يمر على المرضى، وأبلغوني أنه سيأتي عن قريب، ولما لم يأت أحد بدأت في رفع صوتي عاليا؛ فطلبوا أن أذهب لمدير المستشفى، قلت: «الحمد لله أن أحدا سيستقبلني.» وصعدت إلى أعلى، قالوا: «انتظر قليلا حتى يأتي الطبيب المختص؛ لأنه يجرى الآن عملية جراحية.» فانتظرت ساعة أخرى بجوار المصعد الكهربائي، ولما لم يأت أحد رفعت صوتي مجددا عاليا غاضبا: ثلاث ساعات وأنا أنتظر! وخرجت من المستشفى غاضبا، وأنا أفكر كيف يعالج المرضى في بلادنا؟ وكيف يستقبلونهم؟!
وفي مرة أخرى دخلت مستشفى القصر العيني الفرنساوي، وبدءوا في إعطائي محاليل كنت أحتاجها بالتنقيط عن طريق الوريد. وبعد مدة قصيرة قالوا إن الأدوية انتهت من المستشفى وإن علي شراءها على حسابي؛ أرسلت مرافقي الممرض لشرائها من صيدلية خارج المستشفى. وتكرر نفس الشيء عندما كنت أحتاج لحقن العين، فقالوا لا توجد إلا حقنة واحدة بالمستشفى كله، وكنت أحتاج إلى ثلاث، وكان ثمن الواحدة خمسمائة جنيه، وكان علي أن أشتري حقنتين بمبلغ ألف جنيه من حسابي الخاص.
وحضر طبيب العيون، وكان صديقي، وأعطاني الحقنتين قائلا: «هذا نوع من الفساد في المستشفى، يأخذون الأدوية مجانا، ويبيعونها، ويطالبون المريض بشرائها، بدعوى عدم وجودها لديهم.»
अज्ञात पृष्ठ