الْبَابُ الأَوَّلُ فِي ذِكْرِ الْعَقْلِ وَفَضْلِهِ وَذِكْرِ مَاهِيَّتِهِ
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَاهِيَّةِ الْعَقْلِ اخْتِلافًا كَثِيرًا
فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ
وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ غَرِيزَةٌ يَتَأَتَّى مَعَهَا دَرْكُ الْعُلُومِ
وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ قُوَّةٌ يُفَضَّلُ بِهَا بَيْنَ حَقَائِقِ الْمَعْلُومَاتِ
وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ جَوْهَرٌ بَسِيطٌ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ جِسْمٌ شَفَّافٌ
وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ هُوَ نُورٌ
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ الْعَقْلُ غَرِيزَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْمُحَاسِبِيِّ أَيْضًا مِثْلُهُ
وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ الْعَقْلُ غَرِيزَةٌ كَأَنَّهَا نُورٌ يُقْذَفُ فِي الْقَلْبِ فَيَسْتَعِدُّ لإِدْرَاكِ الأَشْيَاءِ فَيَعْلَمُ جَوَازَ الْجَائِزَاتِ وَاسْتِحَالَةَ الْمُسْتَحِيلاتِ وَيَتَلَمَّحُ عَوَاقِبَ الأُمُورِ
وَذَلِكَ النُّورُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَإِذَا قَوِيَ ذَلِكَ النُّورُ قَمَعَ بِمُلاحَظَةِ الْعَوَاقِبِ عَاجِلَ الْهَوَى
ذِكْرُ مَحِلِّ الْعَقْلِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ مَحِلُّهُ الْقَلْبُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ
﵁
وَدَلِيلُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا﴾
1 / 5