Dhail al-Sawa'iq limaho al-Abatil wal-Makharq
ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق
प्रकाशक
بدون
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٣٩٠ هـ
शैलियों
ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق
تأليف
الفقير إلى الله تعالى
حمود بن عبد الله التويجري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
अज्ञात पृष्ठ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد الخلائق أجمعين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فقد قرأ عليَّ فضيلة الشيخ/ حمود بن عبد الله التويجري مؤلفه القيم (ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق) فألفيته كتابًا جيدًا في معناه أجاد فيه وأفاد، وبيَّن غلطات الأستاذ محمد محمود الصواف في كتابه (المسلمون وعلم الفلك) بما لا مزيد عليه، بارك الله فيه وفي علومه.
فإن الأستاذ الصواف ذكر في كتابه (المسلمون وعلم الفلك) أشياء لم يدل عليها دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا إجماع ولا عقل سليم ولا يكاد يصدق بها من له أدنى مسكة من عقل فضلا عمن لديه أدنى علم بنصوص الكتاب والسنة ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾.
مثل قول الصواف عن أبي جعفر الطوسي: "وهل تعلم أن من علماء الهيئة المسلمين الذين رصدوا وألفوا وسهروا الليالي الطوال في مناجاة النجوم ورصد حركاتها وسكناتها الشيخ/ أبو جعفر نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي الفيلسوف ... " إلى أن قال: "ولو أردنا أن نزيد لأتينا بالشيء الكثير من فعل سلفنا الصالح".
وحالة الطوسي معلومة عند أهل العلم قال عنه ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان) في صفحة (٢٦٧) المجلد الثاني: " لما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر والإلحاد وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هولاكو شفى نفسه من أتباع الرسول ﷺ وأهل دينه، فعرضهم على السيف حتى شفى إخوانه من الملاحدة، واشتفى هو فقتل الخليفة والقضاء الفقهاء والمحدثين، واستبقى
1 / 3
الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم، وجعلهم خاصته وأولياءه، ونصر في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد، وإنكار صفات الرب ﷻ من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إله يعبد البتة، واتخذ الملاحدة مدارس، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن فلم يقدر على ذلك، فقال هي قرآن الخواص، وذلك قرآن العوام، ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين، فلم يتم له الأمر".
وتعلم السحر آخر الأمر، فكان ساحرًا يعبد الأصنام، قال ابن القيم في الكتاب المذكور نقلا عن مصارعة المصارعة للطوسي: "وأنه تعالى لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام، وأنه لا يعلم شيئا، وأنه لا يفعل شيئا بقدرته واختياره، ولا يبعث من في القبور .... " إلى أن قال: "وبالجملة فكان هذا الملحد هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر" انتهى.
فلا ينبغي حينئذ تعداده من المسلمين ولا من سلفنا الصالح.
ومثل قول الأستاذ الصواف: "إن الشمس تفقد أربعة ملايين طن من وزنها في الثانية الواحدة من احتراقها ولم تزل تجدد وزنها وحجمها".
فمن وزنها بذلك؟. ومن عرف مقدار ما تحرقه من ملايين الأطنان؟ .. ومن قدر هذا الزمان الذي تحرق فيه هذا العدد الهائل؟ ..
ومن ذلك نقله عن جيمس أوثر أن العالم بدأ يوم ٢٦ أكتوبر سنة ٤٠٠٤ قبل الميلاد، ولم يرده، بل نقله مقرا له ومرتضيا، فما الذي أدراه عن ذلك الشهر وعن ذلك اليوم وأنه هو اليوم السادس والعشرون من أكتوبر بحيث لم يتقدم يوما ولم يتأخر يوما؟ لا يعلم متى كان ذلك إلا الله.
وقال أيضًا: "جاء في أحد الكتب الهندية المقدسة أن عمر العالم هو ١.٩٧٢.٩٤٩.٠٥٦ ألف وتسعمائة واثنان وسبعون مليون وتسعمائة وتسع وأربعون ألفا وست وخمسون سنة".
1 / 4
وقال أيضًا: " إن الجهود التي يبذلها الفلكيون في العصر الحديث يمكن أن تعتبر أصح تقدير لعمر الكرة الأرضية فقد دلت آخر التقديرات القائمة أن عمر الكرة الأرضية حوالي خمسة آلاف وأربعمائة مليون سنة ٥.٤٠٠.٠٠٠.٠٠٠" وهذا تناقض كما ترى فلا يعلم متى كان ذلك غير من خلق هذا الكون وأوجده.
ونعوذ بالله أن نقول بقدم العالم كما يقوله بعض الفلاسفة ..
وقال أيضًا: " إن بعض العلماء أظهر أنه تمكن من احتساب النقص في سرعة دوران الأرض فوجد أن هذا النقص يبلغ حوالي ثانية واحدة كل مائة وعشرين ألف سنة " ثم قال الأستاذ الصواف: "وعليه فبعد ٤٣٢ مليون سنة ينقص دوران الأرض بمقدار ساعة وعندئذ يصبح مجموع ساعات الليل والنهار ٢٥ ساعة". فتصور هذا وأمثاله كاف في رده.
وقال أيضًا في عمر الشمس: " إنه خمسة آلاف مليون سنة، وأن نجوما سوف لا يصل نورها إلى كرتنا الأرضية في أقل من ألف وخمسمائة مليون سنة ضوئية" قال: "مع العلم بأن الضوء يسير في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلو متر. وأن هذا الكون يتضمن خمسمائة مليون مليون من المجرات كما يقدر علماء الفلك، وفي كل مجرة مائة ألف مليون نجم".
إلى غير ذلك من الأشياء الكثيرة في كتابه، فلعل فضيلته يراجع كتابه ويصلح ما فيه من خطأ على ضوء الكتاب والسنة وما يؤيده العقل الصحيح، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في ضده، والله يوفق الجميع لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، وأن يسلك بنا صراطه المستقيم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.،،،
الرئيس العام لإشراف الديني بالمسجد الحرام
عبد الله بن محمد بن حميد
٣/ ١١/ ١٣٨٩ هـ
1 / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه. ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على المعاندين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فقد اطلعت على رسالة لمحمد محمود الصواف سماها (المسلمون وعلم الفلك) قد جمع فيها ما نشره في جريدة الدعوة من التعقيب على الشيخ عبد العزيز بن باز فيما يتعلق بجريان الشمس وسكون الأرض، وزاد على ذلك شيئًا كثيرًا من تخرصات أهل الهيئة الجديدة، وتخرصات أتباعهم في الأرض والشمس والقمر والكواكب، وهذه الرسالة مطبوعة في لبنان في جمادى الأولى سنة ١٣٨٧ هـ.
وقد كنت كتبت ردا على ما نشره في جريدة الدعوة وسميته (الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة) وهو في الحقيقة رد على ما نشره في جريدة الدعوة وعلى رسالته المطبوعة معا، لأن ما في الرسالة المطبوعة هو نص ما نشره في الجريدة سوى ما زاده فيها من التخرصات وتحريف بعض الآيات وتأويلها على غير المراد منها.
وقد رأيت أن اتبع الرد بملحق في رد ما زاده في الرسالة المطبوعة من
1 / 7
التخرصات والتوهمات، وتحريف الكلم عن مواضعه، وأسأل الله المعونة والتوفيق لما يجب ويرضى، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل. ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾
1 / 8
فصل
قال الصواف: (المسلمون وعلم الفلك).
والجواب أن يقال إن هذا العنوان خطأ ظاهر لأن غالب ما في الرسالة من الكلام في الأرض والسموات والشمس والقمر والكواكب ليس من أقوال المسلمين وعلومهم، وإنما هو من تخرصات أهل الهيئة الجديدة وتوهماتهم.
وأهل الهيئة الجديدة ليسوا من المسلمين، وإنما هم من فلاسفة الإفرنج، وهم كوبرنيك البولوني وأتباعه في القرن العاشر والقرن الحادي عشر من الهجرة، وهرشل الإنجليزي وأتباعه في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الهجرة.
وغالب ما نقله الصواف عن الألوسي، فهو مما نقله الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة كما صرح بذلك في مواضع كثيرة من كتابه الذي سماه (ما دل عليه أهل الهيئة الجديدة وتخرصات أتباعهم فنسبة ذلك إلى المسلمين فرية عليهم، وتسمية الرسالة بهذا العنوان لا تطابق المسمى، وإنما المطابق له أن يقال (الإفرنج والتخرص في علم الفلك)، وسأنبِّه على ما يشهد لهذه المطابقة من تقوُّل الصواف إن شاء الله تعالى.
والذي حمل الصواف على نسبة ما في رسالته من تخرصات أهل الهيئة الجديدة وتوهماتهم إلى المسلمين هو اعتقاده في أهل الهيئة الجديدة أنهم مسلمون، قد عرف أكثرهم بالتقوى والصلاح كما صرح بذلك في صفحة ٤٤، وقال في صفحة ٥١ وصفحة ٦٩ إنهم سلفه الصالح، وقال في صفحة ٦٧ وصفحة ١١٧ إنهم علماؤه الأعلام.
وقد ذكرت في الصواعق الشديدة أنه لا يخلو في زعمه هذا
1 / 9
من أحد أمرين: إما إرادة التمويه والتلبيس على الجهلة الأغبياء بما لا حقيقة له في نفس الأمر، وأما شدة الغباوة فيه حيث نبا فهمه عما صرح به الألوسي في صفحة ٢٣ و٣٣ و٣٤ و٤٦ و٥٩ و٩٥ من كون أهل الهيئة الجديدة من الإفرنج.
فصل
قال الصواف في مقدمة رسالته في صفحة ١١ ما نصه:
"وحرصا مني على نشر العلم وبيان فضل علماء المسلمين الذين كان لهم الفضل الأكبر في تشجيع علم الفلك وبناء المراصد في مختلف البلدان رأيت أن أطبع هذا الرد في كتيب؛ ليطلع شبابنا على مفاخر أجدادهم وسبقهم للعالم في مختلف الميادين العلمية".
والجواب عن هذا من وجوه: أحدها أن يقال: ليس ما نشره الصواف في رسالته بعلم، وإنما هي تخرصات وظنون كاذبة أوحاها الشيطان إلى أوليائه من فلاسفة اليونان وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج المتأخرين، فاغتر بها أتباعهم ومقلدوهم من جهلة المسلمين، وظنوها علما صحيحا، وهي في الحقيقة جهل صرف لا يروج إلا على جاهل لا يميز بين العلم والجهل.
الوجه الثاني: أن علماء المسلمين منزهون عن تشجيع علم الفلك وبناء المراصد كما سيأتي بيان ذلك في الفصل الذي بعد هذا الفصل، وما زعمه الصواف ههنا فهو من الافتراء على علماء المسلمين.
الوجه الثالث: أن الذي نشره الصواف في رسالته كله من تخرصات
1 / 10
فيثاغورس اليوناني وأتباعه من فلاسفة الإفرنج المتأخرين، ومنهم كوبرنيك البولوني، وتيخوبراهي الدانماركي، وكبلر وغاليليه، ونيوتن الإنجليزي، وهرشل الإنجليزي، وداروين الإنجليزي. وهؤلاء كلهم من أعداء المسلمين، وليسوا من المسلمين فضلا عن أن يكونوا من أجداد المسلمين، كما توهمه الصواف، ومن زعم أن هؤلاء الفلاسفة من أجداد المسلمين فهو من أكذب الكاذبين.
الوجه الرابع: أن المفاخر كل المفاخر للذين حملوا علم الكتاب والسنة ونشروه في هذه الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان، وأئمة العلم والهدى من بعدهم، فأما تخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة فليست بمفاخر كما قد توهمه الصواف، وإنما هي معائب وجهالات وضلالات تزري بمن تعلق بها غاية الأزراء، وقد قال الله تعالى ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وأول هذه الآية الكريمة مطابق لأهل التخرصات والظنون الكاذبة، وآخرها مطابق لأهل العلم الحقيقي الذي هو علم كتاب والسنة.
الوجه الخامس: أن بناء المراصد من أفعال المنجمين من اليونان والصائبين، ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من المنحرفين عن الدين من هذه الأمة، وما كان هكذا فليس فيه فضل البتة، وليس هو من المفاخر كما قد توهمه الصواف، وإنما هو من المثالب والمعائب واتباع غير سبيل المؤمنين وقد قال الله تعالى ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.
وروى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال «من تشبه بقوم فهو منهم» صححه ابن حبان، وقال
1 / 11
شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية: إسناده جيد، وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: إسناده حسن، وقد احتج الإمام أحمد بهذا الحديث، وهذا يقتضي صحته عنده. قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ ". انتهى.
فصل
وذكر الصواف في صفحة: "١٢ أن ما جمعه في رسالته فهو مما تركه العلماء الأعلام والخلفاء العظام".
والجواب أن يقال: ليس هذا بصحيح، فإن الخلفاء العظام على الحقيقة هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ﵃، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه تكلم في علم الفلك بشيء فضلا عن القول بسكون الشمس ودوران الأرض عليها، وكذلك ما ذكره الصواف من الهذيان الكثير في الأرض والشمس والقمر والكواكب فإن هذا مما ينزه عنه أحاد العقلاء فضلا عن الخلفاء الراشدين ﵃.
وهؤلاء الخلفاء الأربعة هم القدوة بعد رسول الله ﷺ لقوله ﷺ: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث العرباض بن سارية ﵁، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وصححه أيضا ابن حبان والحاكم والذهبي.
1 / 12
ولا عبرة بمن حاد عن منهاج هؤلاء الخلفاء الراشدين من الملوك كالمأمون، فإنه قد اعتنى بتعريب كتب الأوائل وعمل الأرصاد، ففتح بذلك على الأمة باب شر عريض.
وقد ذكر السفاريني في كتابه (لوائح الأنوار البهية) عن الصلاح الصفدي أنه قال: "حدثني من أثق به أن شيخ الإسلام ابن تيمية روَّح الله روحه كان يقول: ما أظن أن الله يغفل عن المأمون ولا بد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخال العلوم الفلسفية بين أهلها".
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في (تذكرة الحفاظ) في ترجمة شجاع بن الوليد بن قيس: "لما قتل الأمين، واستخلف المأمون على رأس المائتين نجم التشيع، وأبدى صفحته، وبزغ فجر الكلام، وعربت كتب الأوائل ومنطق اليونان، وعمل رصد الكواكب، ونشأ للناس علم جديد مُرْدٍ مهلك، لا يلائم علم النبوة، ولا يوافق توحيد المؤمنين، قد كانت الأمة منه في عافية.
إلى أن قال: "إن من البلاء أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف، وتقدم عقول الفلاسفة، ويعزل منقول اتباع الرسل ويماري في القرآن ويتبرم بالسنن والآثار وتقع في الحيرة. فالفرار قبل حلول الدمار وإياك ومضلات الأهواء ومحارات العقول، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وقال المقريزي في كتاب الخطط: "وقد كان المأمون لما شغف بالعلوم القديمة بعث إلى بلاد الروم من عَرَّبَ له كتب الفلاسفة، وأتاه بها في أعوام بضع عشرة ومائتين من الهجرة، فانتشرت مذاهب الفلاسفة في الناس، واشتهرت كتبهم بعامة الأمصار، وأقبلت المعتزلة والقرامطة والجهمية وغيرهم عليها،
1 / 13
وأكثروا من النظر فيها والتصفح لها، فانجرَّ على الإسلام وأهله من علوم الفلاسفة مالا يوصف من البلاء والمحنة في الدين، وعظم بالفلاسفة ضلال أهل البدع، وزادتهم كفرا إلى كفرهم". انتهى.
وقد سار على منهاج المأمون في عمل الأرصاد كثير من الملوك المنحرفين مثل الحاكم العبيدي، وبعض بني بويه والسلاجقة، وهولاكو وتيمورلنك وأولغ بك.
فهؤلاء خلفاء الصواف الذين تركوا له ولأشباهه من علم الفلك وعمل الأرصاد ما تركوا، ومع ما كانوا عليه من الاعتناء بالأرصاد وعلم الفلك فقد كانوا على مذهب أهل الهيئة القديمة في القول بسكون الأرض وجريان الشمس، ولم يذكر عن أحد منهم أنه قال بتعدد الشموس والأقمار، ولا بغير ذلك مما يهذو به أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في أبعاد الكواكب ومقاديرها، وغير ذلك مما أودعه الصواف في رسالته، وزعم أنه مما تركه الخلفاء العظام، وهو بذلك قد افترى عليهم ونسب إليهم ما لم يؤثر عنهم، وإنما هو مأثور عن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم.
وأما زعمه أن ما جمعه في رسالته فهو مما تركه العلماء الأعلام.
فجوابه: أن يقال إن أعلم هذه الأمة على الإطلاق علماء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يتكلم أحد منهم في علم الفلك بشيء فضلا عن القول بحركة الأرض وثبات الشمس، والرجم بالغيب عن أبعاد الكواكب ومقادير أجرامها وغير ذلك مما أودعه الصواف في رسالته.
ثم التابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم، ولاسيما الأئمة الأربعة وأقرانهم من أكابر العلماء، فهؤلاء هم العلماء الأعلام على الحقيقة، ولم
1 / 14
يقل أحد منهم بحركة الأرض وثبات الشمس، ولم يرجموا بالغيب عن أبعاد الكواكب ومقادير أجرامها، وغير ذلك مما أودعه الصواف في رسالته ونسبه إلى العلماء الأعلام، وهو بذلك قد افترى عليهم، ونسب إليهم ما لم يؤثر عن أحد منهم، وإنما هو مأثور عن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم، فهم في الحقيقة خلفاء الصواف الذين زعم أنهم عظام، وعلماؤه الذين زعم أنهم العلماء الأعلام.
فصل
وفي صفحة ١٢ حرف الصواف هذه الآية ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا﴾ فقال ولا تجعل في صدورنا غلا للذين آمنوا.
فصل
وفي صفحة ٢١ وما بعدها ساق رده على الشيخ ابن باز، وقرر فيه القول بثبات الشمس وحركة الأرض وسبحها في الفلك، وجعل ذلك من علوم المسلمين في الفلك. وهذا خطأ كبير فإن هذا القول الباطل من أقوال أهل الهيئة الجديدة وهم من فلاسفة الإفرنج المتأخرين، والمسلمون بريئون من هذا القول المخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة فليراجع هناك.
فصل
وفي صفحة ٢٨ سمى الأرض الكوكب الأرضي، وهذا من أقوال أهل الهيئة الجديدة وليس من أقوال المسلمين، وقد تعقبت ذلك في الصواعق الشديدة فليراجع هناك.
1 / 15
فصل
وفي صفحة ٢٨ أيضا نقل الصواف عن الملحد الجهمي جميل صدقي الزهاوي أنه قال:
وما الأرض بين الكائنات التي ترى
بعينيك إلا ذرة صغرت حجما
ونحو ذلك قول الصواف في صفحة ٨٣ أن الأرض ما هي إلا فقاعة في محيط، وقوله أيضا في صفحة ١٠٩: "ولعل أدق وصف للأرض بالنسبة للكون هو أنها هباءة دقيقة لا ترى إلا بالمجهر في هذا الفضاء الفلكي الواسع بالنسبة إلى الأجرام السماوية المتناثرة في أنحاء الكون".
والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال: ما يدري جميلا الزهاوي أن الأرض كالذرة بين الكائنات التي يراها الإنسان بعينيه ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى﴾، وما يُدري الصواف أن الأرض ما هي إلا فقاعة في محيط وأنها هباءة دقيقة لا ترى إلا بالمجهر في هذا الفضاء الفلكي الواسع، هل وجد ذلك في كتاب الله تعالى أو فيما صح عن رسول الله ﷺ، أو أنزل عليه الوحي بذلك، وإذا كان كل هذا معدوما، فلا شك أنه وصاحبه قد قفوا ما ليس لهما به علم، وليس لهما مستند فيما زعماه سوى التخرص واتباع الكذب.
وقد قال الله تعالى ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ وقال تعالى ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾.
1 / 16
الوجه الثاني: أن الله تعالى عظَّم شأن الأرض في كتابه، ونوه بذكرها أكثر مما عظم من شأن الشمس والقمر والكواكب، وقرن خلقها مع خلق السموات في عدة آيات من القران، وأخبر أنه خلقها وما فيها في أربعة أيام وأنه خلق السموات وما فيهن في يومين وذلك يدل على عظم الأرض.
وقد قال الله تعالى ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ الآية. وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ الآية. وقال تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ الآية. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على عظم الأرض وسعتها.
وقد جاء في تعظيم خلق الأرض أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ.
منها ما رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلائق على أصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ الآية.
1 / 17
ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس ﵄ قال مر يهودي برسول الله ﷺ وهو جالس، قال: كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه، وأشار بالسبابة، والأرض على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه، كل ذلك يشير بأصابعه، فأنزل الله ﷿ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ قال الترمذي: "هذا حديث غريب صحيح".
ومنها ما رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري ﵁ عن رسول الله ﷺ قال: «قال موسى ﵇ يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى لا إله إلا الله، قال كل عبادك يقولون هذا، قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة - مالت بهن لا إله إلا الله» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
ومنها ما رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد والطبراني عن عبد الله بن عمرو ﵄ أن رسول الله ﷺ قال «إن نبي الله نوحًا ﷺ لما حضرته الوفاة، قال لابنه: إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة - رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة، قصمتهن لا إله إلا الله ...» وذكر تمام الحديث.
ومنها ما رواه ابن مردويه عن أبي ذر ﵁ أنه سأل النبي ﷺ عن الكرسي فقال رسول الله ﷺ «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة
1 / 18
ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة».
والأحاديث الدالة على عظم الأرض كثيرة جدا وفيما ذكرته ههنا كفاية إن شاء الله تعالى.
وفيما ذكرته من الآيات والأحاديث أوضح دليل على عظم الأرض، وفيها أبلغ رد على من صغَّر الأرض وحقرها، وزعم أنها كالذرة أو كالفقاعة في المحيط أو كالهباءة التي لا ترى إلا بالمجهر بالنسبة إلى أجرام الكواكب، وقد قال الله تعالى ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾.
الوجه الثالث: أن الله تعالى قال ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ وقال تعالى ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ قال البغوي وغيره في قوله تعالى ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾: أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض كما قال تعالى ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ﴾.
وعن ابن عباس ﵄ قال (يكوَّر الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث ريحا دبورا فيضرمها نارا) رواه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف. وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس ﵄. قال ابن كثير وكذا قال عامر الشعبي.
قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله الداناج قال حدثني أبو سلمة عبد الرحمن عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة» ورواه البزار من حديث عبد الله الداناج قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن زمن خالد بن عبد الله القسري، في هذا المسجد مسجد الكوفة، وجاء الحسن فجلس إليه فحدث، قال: حدثنا أبو هريرة ﵁ أن رسول الله - صلى الله
1 / 19
عليه وسلم - قال: «إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أحدثك عن رسول الله ﷺ، وتقول: وما ذنبهما؟ إسناده صحيح على شرط مسلم.
وروى أبو يعلى عن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» قال الهيثمي فيه ضعفاء قد وثقوا.
قلت وما تقدم عن أبي هريرة ﵁ يشهد له ويقويه
وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس ﵄ يقول ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر، ثم يوقد فيكون هو جهنم.
وروى الإمام أحمد وابن جرير والحاكم عن يعلى بن أمية ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ «البحر هو جهنم» قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وفيما ذكرنا دليل على عظم الأرض لأن الشمس والقمر والنجوم تنتثر يوم القيامة في البحر فيسعها كلها. ولو كانت الأرض كالذرة أو كالفقاعة في المحيط أو كالهباءة التي لا ترى إلا بالمجهر بالنسبة إلى أجرام الكواكب لما وسعت الأرض كوكبا واحدا ولا بعض كوكب، وهذا ظاهر البطلان لمخالفته لما دلت عليه الآيات والأحاديث التي ذكرنا والله أعلم.
الوجه الرابع: أن يقال إن جميلا الزهاوي كان جهميا كذابا أفاكا كما يعلم ذلك من كتابه الذي سماه الفجر الصادق، وهو في الحقيقة الفجر الكاذب والظلمة الحالكة، وقد رد عليه الشيخ العلامة سليمان بن سحمان ﵀
1 / 20
تعالى شافيا كافيا في كتابه الذي سماه (الضياء الشارق. في رد شبهات الماذق المارق) ورد أيضا في آخره على من قرظ كتاب جميل بقصيدة أجاد فيها وأفاد وأولها:
كتاب حوى إفكا وزورا ومنكرا ... وكفرا وتعطيلا لرب الخلائق
فعطل أوصاف الكمال لربنا ... وعن كونه من فوق سبع الطرائق
وأنكر معراج الرسول حقيقة ... بذات رسول الله سحقا لمارق
وأنكر رؤيا المؤمنين لربهم ... فتبًا له تبا وسحقا لماذق
وسمى كتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله أزكى الخلائق
ظواهر لا تبدي يقينا لأنها ... على زعمه ظنية في الحقائق
فلا يستفيد المؤمنون بها الهدى ... ولكن بمعقولات أهل الشقاشق
فإن خالفت معقول من أسسوا لهم ... قواعد كفر شامخات الشواهق
فحق على كل امرئ بل وواجب ... تؤول عن مدلولها بالمخارق
وتصرف للمرجوح عن حكم راجح ... لأجل مقالات الغواة الموارق
وإلا فبالتفويض حتما لديهم ... إذا لم تؤول في خلاف الحقائق
وتفويضهم أبطالها عن حقائق ... تدل عليها بالمعاني الشقائق
1 / 21
إلى أن قال:
وقدم حكم العقل حتما بزعمه ... على النقل فيما قد رأى كل مارق
فتبًا لمن يبدي ثناء ومدحه ... لتأليفه أو ما قد حوى من شقاشق
فما كان فجرا صادقا في ظهوره ... ولكنه فجران يبدو لرامق
ووالله ما أبدى صوابا ولم يكن ... على المنهج الأسنى وليس برائق
وليس يروق الكفر إلا لزائغ ... عن الحق أو مستغرق بالعوائق
وجوَّز أن يدعى سوى الله بالرجا ... وبالخوف والتعظيم فعل المشاقق
وأن يستغيث المشركون بغيره ... وأن يلجؤوا في كل خطب مضايق
فتبا لعباد القبور الذين هم ... حماة ذوي الأهواء من كل مارق
فقد نبذوا الوحيين خلف ظهورهم ... وقد حكَّموا القانون بين الخلائق
ومع ما ذكرنا عن جميل الزهاوي من الأقوال الوخيمة والعقائد الباطلة الذميمة، فقد اعتمد الصواف على تخرصه وظنه الكاذب في تصغير الأرض وتحقيرها، وقرر ذلك في ثلاثة مواضع من رسالته. وهذا يدل على أنه كان مقبول القول عنده. وكفى بالرجل جهلا أن يعتمد على تخرص جميل الزهاوي وأشباهه من أهل الأهواء والبدع.
وما ذكره الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى عن جميل الزهاوي أنه سمى أدلة الكتاب والسنة ظواهر ظنية، وأنه يجب تأويلها أو تفويضها فقد قال الصواف مثله في صفحة ٢٢ و٢٣ من رسالته حيث زعم أن النصوص الدالة على جريان الشمس ظنية وليست قطعية الدلالة، قال والتوقف فيها أو تفويض الأمر فيها إلى الله أسلم وأحكم، ثم قال وفي التأويل مندوحة في الأمور غير القطعية خاصة في مثل هذه الأمور.
قلت: وهذه جرأة عظيمة على الله وعلى كتابه وعلى رسوله ﷺ، وقد رددت على هذا القول الباطل في الصواعق الشديدة فليراجع هناك.
1 / 22