Description of the Prophet by Muhammad bin Harun
صفة النبي لمحمد بن هارون
अन्वेषक
أحمد البزرة
प्रकाशक
دار المأمون للتراث
संस्करण संख्या
الثانية ١٤٢٣ هـ ٢٠٠٣ م
शैलियों
صفة النبي ﷺ
وصفة أخلاقه وسيرته وأدبه وخفض جناحه
تأليف
محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري
(٢٦٦ - ٣٥٣ هـ)
حققه وشرحه
أحمد البزرة
دار المأمون للتراث
الطبعة الثانية
١٤٢٣ هـ ٢٠٠٣ م
1 / 8
أخبرنا الشيخ الجليل أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن محمد الأسدي بقراءتي عليه، قلت له: أخبركم جدك أبو القاسم الحسين، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء السلمي المصيصي، أنبأ أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بن أبي نصر، ثنا أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري.
ثنا زكريا بن يحيى السجزي، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي -وهو ابن راهويه- وعلي بن محمد بن أبي الخصيب، قالا: أنبأ عمرو بن محمد العنقزي، ثنا جميع بن عمر العجلي من بني ضبيعة، عن رجل من بني تميم يقال له يزيد بن عمر التميمي، من ولد أبي هالة، عن أبيه، عن الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄ قال: سألت هند بن أبي هالة، وكان وصافًا للنبي ﷺ.
قال زكريا بن يحيى: وثنا به سفيان بن وكيع، ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي أبو جعفر، أملاه علينا من كتابه قال: حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله، عن ابن لأبي هالة، عن
1 / 9
الحسن بن علي قال: سألت خالي هند بن أبي هالة -وكان وصافًا - عن حلية النبي ﷺ وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئًا أتعلق به، فقال:
كان النبي ﷺ فخمًا مفخمًا، يتلألا وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر إن انفرفت عقيصته انفرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه ذا وفرة، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادنٌ متماسكٌ، سواء البطن والصدر عريض، بعيد ما بين المنكبين،
1 / 10
ضخم الكراديس أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شئن الكفين والقدمين، سائر أو سائل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعًا، يخطو تكفؤًا ويمشي [هونًا] ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعًا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدر من لقيه بالسلام.
قال: قلت: صف لي منطقه. قال:
كان رسول الله ﷺ متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحةٌ، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه
1 / 11
ويتكلم بجوامع الكلم، [كلامه] فصل لا فضول ولا تقصير، دمثًا ليس بالجافي ولا المهين، ويعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئًا غير أنه لم يكن يذم ذواقًا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعدي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، وإذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا حدث اتصل بها يضرب براحته اليمنى باطن راحته اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم يفتر عن مثل العمار -ولعله: حب الغمام-.
قال الحسن: فكتمتها الحسين ﵁ زمانًا، ثم حدثته، فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عم سألته عنه ووجدته سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئًا.
قال الحسن ﵁: سألت أبي ﵁ عن دخول النبي ﷺ فقال: كان دخوله لنفسه مأذونًا له في ذلك، وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله، وجزء لنفسه، وجزء لأهله، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس، فيرد على ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئًا، فكان من سيرته [جزء] في الأمة إيثار أهل الفضل [بإذنه] وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم
1 / 12
ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم وإخبارهم الذي ينبغي لهم ويقول: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطع إبلاغها، فإنه من أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة» . لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادًا ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة.
وسألته عن مخرجه كيف يصنع فيه؟ فقال:
كان رسول الله ﷺ: يخزن لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحدٍ بشره وخلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا لكل حال عنده عتاد، ولا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلةً أحسنهم مواساة ومؤازرة.
وسألته عن مجلسه؟ فقال:
كان رسول الله ﷺ لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي جلساءه كلًا بنصيبه، لا يحسب جليسه
1 / 13
أن أحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجةٍ صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، وقد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبًا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلمٍ وحياءٍ وصبر وأمانةٍ لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى، متواضعون يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.
وسألته عن سيرته في جلسائه؟ فقال:
كان رسول الله ﷺ دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظٍ ولا سخاب ولا فاحش ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهيه ولا يؤيس منه ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاثة: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاثة: كان لا يذم أحدًا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته. ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوليتهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونه. ويقول: «إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها، فارفدوه»، ولا يقبل الثناء إلأ من مكافئ، ولا يقطع على
1 / 14
أحدٍ حديثه [حتى يجور] فيقطعه بنهي أو قيام.
قال: فسألته كيف كان سكوته؟ فقال:
كان سكوت رسول الله ﷺ على الحلم، والحذر، والتدبر، والتفكر، فأما تدبره: ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس. وأما تفكره: ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم (و) الصبر، وكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالخير ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي فيما يصلح أمته والقيام بهم، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة. *
حدثنا زكريا بن يحيى السجزي، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنبأ عيسى بن يونس، ثنا عمر -مولى غفرة- حدثني إبراهيم بن محمد بن الحنفية من ولد علي ﵁ قال: كان علي بن أبي طالب ﵁ إذا نعت النبي ﷺ:
لم يكن بالجعد الممغط ولا بالقصير المتردد، كان ربعةً من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان جعدًا رجلًا ولم
1 / 15
يكن بالمطهم ولا المكلثم وكان في الوجه تدوير أبيض مشرب، أدعج العين أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، أجرد، ذو مسربةٍ، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صببٍ، فإذا التفت التفت جميعًا، بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفًا، وأجود الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجةً وأوفى الناس بذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهةً هابه، ومن خالطه معرفة أحبه. يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله ﷺ. *
أخبرنا زكريا بن يحيى بن إبراهيم، أنبأ روح بن عبادة وعفان بن مسلم، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد ابن الحنفية، عن علي بن أبي طالب ﵁ قال:
كان النبي ﷺ ضخم الرأس، عظيم العينين، أزهر اللون، كث اللحية، شثن الكفين والقدمين، هدب الأشفار، مشرب العينين حمرة، إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد، وإذا التفت التفت جميعًا ﷺ. *
1 / 16
حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي، حدثني ليث بن الحارث، ثنا النضر بن شميل، ثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ﵁ قال:
كان رسول الله ﷺ طاوي الحشى، ضليع الفم، شئن القدمين ﷺ. *
حدثني محمد بن عثمان بن حماد الأنصاري وأحمد بن محمد التميمي، قالا: ثنا عبد الوارث بن الحسن بن عمرو القرشي البيساني، ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر ﵁ قال: أقبل قوم من اليهود إلى أبي بكر الصديق ﵁ فقالوا له: يا أبا بكر صف لنا صاحبك. فقال: معاشر يهود لقد كنت مع النبي ﷺ في الغار كأصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء وإن خنصري لفي خنصر النبي ﷺ، ولكن الحديث عن النبي ﷺ شديد، وهذا علي بن أبي طالب. فأتوا عليًا، فقالوا: يا أبا الحسن صف لنا ابن عمك؟ فقال علي ﵁:
لم يكن حبيبي رسول الله ﷺ بالطويل الذاهب طولًا ولا بالقصير المتردد، كان فوق الربعة أبيض اللون، مشرب الحمرة، جعد ليس بالقطط، يفرق شعره إلى أذنه ﷺ، وكان حبيبي محمد ﷺ صلت الجبين، واضح الخدين، أدعج العين دقيق المسربة، براق الثنايا، أقنى
1 / 17
الأنف، كأن عنقه إبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه.
كان لحبيبي محمد ﷺ شعرات من لبته إلى سرته كأنهن قضيب مسلكٍ أسود، لم يكن في جسده ولا صدره شعرات غيرهن. بين كتفيه كدارة القمر ليلة البدر مكتوب بالنور سطران: السطر الأعلى: لا إله إلا الله، وفي السطر الأسفل: محمد رسول الله. وكان حبيبي محمد ﷺ شثن الكفين والقدم، إذا مشى كأنما ينقلع من صخر، وإذا انحدر كأنما ينحدر من صبب، وإذا التفت التفت بمجامع بدنه، وإذا قام غمر الناس، وإذا قعد علا الناس، فإذا تكلم نصت له الناس، وإذا خطب بكى الناس.
وكان حبيبي محمد ﷺ أرحم الناس بالناس، وكان لليتيم كالأب الرحيم، وللأرملة كالزوج الكريم، وكان محمد ﷺ أشجع الناس قلبًا، وأبذله كفًا وأصبحه وجهًا وأطيبه ريحًا، وأكرمه حسبًا، لم يكن مثل ولا مثله أهل بيته في الأولين والآخرين.
كان لباسه العباءة وطعامه خبز الشعير، ووسادته الأدم محشوة بليف النخل، سريره أم غيلان مرمل بالشريط، كان لمحمد ﷺ عمامتان: أحدهما: تدعى السحاب. والأخرى: العقاب. وكان سيفه ذا الفقار، ورايته الغبراء، وناقته العضباء، وبغلته دلدل، حماره يعفور، فرسه مرتجز، شاته بركة، قضيبه الممشوق، لواءه الحمد، إدامه اللبن، قدره الدباء، تحيته الشكر.
يا أهل الكتاب. كان حبيبي محمد ﷺ يعقل البعير، ويعلف الناضح، ويحلب الشاة، ويرقع الثوب، ويخصف النعل ﷺ. *
1 / 18
«حديث أم معبد في صفة النبي ﷺ)
حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن خلف الصيدلاني وأبو حريش الكوفي بمصر: قالا: ثنا مكرم بن محرز بن مهدي بن عبد الرحمن بن عوف بن خويلد بن خليفة الربعي ثم الخزاعي، من ولد أم معبد واسمها عاتكة بنت خالد، عن حزام بن هشام بن حبيش، عن أبيه، عن جده حبيش بن خالد ابن أخي أم معبد -وحبيش الذي قتل ببطن مكة يوم الفتح مع رسول الله ﷺ
أن رسول الله ﷺ لما هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة -مولى أبي بكر- وعبد الله بن أريقط الليثي دليلهما مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة جلدة، تحتبي بفناء القبة وتسقي وتطعم، فسألوها لحمًا وتمرًا ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئًا، وإذا القوم مرملون مسنتون، فنظر رسول الله ﷺ إلى شاة خلفها الجهد عن الغنم. قال: «هل بها من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك. قال: «أتأذنين لي أن أحلبها؟» قالت: بأبي أنت
1 / 19
وأمي، نعم إن رأيت بها حلبًا فاحلبها. فدعا بها رسول الله ﷺ، فمسح بيده ضرعها، وسمى الله، ودعا الله لها في شاتها، فتفاجت عليه ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيها ثجًا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم ﷺ، ثم أراضوا، ثم حلب ثانيًا بعد بدءٍ حتى ملأ الإناء، فغادره عندها، ثم بايعها وارتحلوا عنها،
فقل ما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزًا عجافًا يتساوكن هزلًا ضحى مخهن قليل. فلما رأى اللبن أبو معبد عجب وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاء عازب حيل ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.
قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت:
رأيت رجلًا ظاهر الوضاءة، متبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صقلة، قسيم، وسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره
1 / 20
غطف، وفي صوته صهل، وفي لحيته كثاثة، وفي عنقه سطع، أزج، أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، وأجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأحلاهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزوٌ ولا هدرٌ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يائس من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، وهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم متزرًا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند.
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ولأصحبنه إن وجدت إلى ذلك سبيلًا.
1 / 21
فأصبح صوت بمكة عاليًا يسمعون صوته ولا يدرون من صاحبه يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجارى وسؤدد
[ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد]
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاةٍ حائل فتحلبت ... عليه صريحًا ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهنًا لديها لحالبٍ ... يرددها في مصدرٍ ثم مورد
1 / 22
قال مكرم: فبلغني أن حسان بن ثابت لما سمع بذلك شبب بجواب الهاتف:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسري إليهم ويغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحل على قومٍ بنورٍ مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
فهل يستوي ضلال قومٍ تسفهوا ... عمايتهم هادٍ به كل مهتد
وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدىً حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائبٍ ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكرٍ سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد*
1 / 23