فالجواب عنه: أنّ ما ذكره مَغْلَطَةٌ لأنَّه قاس قياسًا مع الفارق، إِذ الفرق بيّنٌ بين قول: ما مات حيوانٌ إلاّ زيد. وتقدير: لا تُشدّ الرحال إلى بقعة إلاّ إلى ثلاثة مساجد.
فالأول: عند أهل اللسان يسمى استثناءً مُنقطعًا؛ لكون المستثنى ليس من جنس المستثنى منه؛ إذا قَصد بالحيوان - وهو ظاهر كلامه - العجماوات من الدّواب.
وأما الثاني: فالمساجد الثلاثة التي استُثْنِيت في الحديث هي من جنس ... المستثنى منه (البقعة)، وليس الاستثناء هنا بهذا التقدير منقطعًا. وبرهانُ كون المساجد من جنس البقاع: ما تقدّم سَوْقه من حديث رسول الله ﷺ: (أحبّ البقاع إلى الله المساجد) (^١) وبذا يتضح خطل التسوية بين المَثَلين، وأنّ التسوية بينهما مكابرة، وعدولٌ عن منهج الحق والصواب. والله أعلم.
وأَمَّا النَّظر الثالث: وهو لزوم التفريق بين مسألة " شدّ الرحال " لزيارة القبور، وبين زيارة القبور بلا شدّ للرحال إليها.
فإنّ بعض المخالفين لمّا أعياهم تطلُّب الأدلّة المسوّغة لشدّ الرحال إلى القبور = لجئوا إلى المغالطة والشّغب على أهل السنة والجماعة؛ بالخلط بين المسألتين، وأوْهَموا - مَن لا يدري - أن أهل السنة يمنعون مِن زيارة قبر النبي ﷺ الزيارة الشرعية، أو يمنعون من شدّ الرحال إلى مسجده ﷺ. كما نرى ذلك جليًّا عند خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية (^٢) .
والفرق بين المسألتين واضحٌ؛ فإنّ زيارة قبره ﵊ مندوبٌ إليها، داخلة تحت عموم قوله ﷺ: (كنتُ نهيتكم عن زيارة
(^١) تقدم تخريجه.
(^٢) كتقي الدِّين السُّبكي كما في كتابه "شفاء السقام" (١٠٦)