ولم يلبث أن نهض العسكر المنصور من حصن ثلا فأمسوا في جبل مسور عند السلاطين آل محمد بن الحسين وبني عمهم، واجتمع العسكر في بيت ريب(1) وصلح أهل مسور، وحسنت طاعتهم، وأزمع الناس على هبوط المغرب وقصد عمارة بن علي والي السلطان في الحصون المخلافية واللاعية، لما قد لحق الناس من الهوان. وأوقدوا النار في بيت ريب، فأجابها أهل تلك النواحي وأوقدوا النيران، فكأن السماء مبسوطة في الأرض وكأن النيران نجومها. ثم هبط العسكر المنصور، وقد سار في مقدمته السلاطين الأجلاء آل محمد بن الحسين، وسار بنو عبدالحميد لينتقموا من عمارة بالثأر، ولقي العسكر [المنصور](2) الشيخ أحمد بن مسعود القدمي وهو يومئذ كبير قدم وشيخها، وقد كان أزمع الأمراء أن يقسموا العسكر إلى لاعة والمخلافة، فلما سمع [بذلك](3) هذا الشيخ شق عمامته وأغرى بالمحطة على الموقر، فرجع الناس لذلك، واجتمعوا وتذامروا وأقبلوا كالبحر الزخار يغشون السهول والجبال لا يكاد يضبطهم العدد لكثرتهم، فهبطوا من نقيل الحطب، وأمسى الناس في الواسطة(4) ونواحيها.
ولما رأى السيد شرف الدين يحيى بن القاسم اجتماع الناس وكثرتهم أنشد مرتجلا:
مارة جاءتك الكتائب جهرة
أتتك جنود الله من كل بلدة
فخل الحصون الشامخات لماجد
حرام عليك اللهو في أرض شاور
ولا عزفت في مجلس لك قينة
ألم تر أن الله أيد أحمدا
فلا الموقر الحصن المنيع بنافع
ولاحصن عزان يغرك ساعة?
?
فياليت شعري أين تذهب(5) هاربا
يهزون للحرب العوان القواضبا[372]
سيملأ عدلا شرقها والمغاربا ولا طفت في ميدان عزك(1) راكبا
पृष्ठ 225