शाम में उमय्यद राज्य
الدولة الأموية في الشام
शैलियों
مقدمة الكتاب
1 - تأسيس الدولة الأموية
2 - مأساة الحسين
3 - الحركة الزبيرية
4 - سياسة الشدة ومظاهرها
5 - الفتوح الأموية
6 - العدل والإصلاح في الدولة الأموية
7 - العمران الأموي
8 - أحوال الاجتماع الأموي
9 - الأدب الأموي
अज्ञात पृष्ठ
10 - سقوط الدولة الأموية
المصادر التاريخية التي اعتمدنا عليها
مقدمة الكتاب
1 - تأسيس الدولة الأموية
2 - مأساة الحسين
3 - الحركة الزبيرية
4 - سياسة الشدة ومظاهرها
5 - الفتوح الأموية
6 - العدل والإصلاح في الدولة الأموية
7 - العمران الأموي
अज्ञात पृष्ठ
8 - أحوال الاجتماع الأموي
9 - الأدب الأموي
10 - سقوط الدولة الأموية
المصادر التاريخية التي اعتمدنا عليها
الدولة الأموية في الشام
الدولة الأموية في الشام
تأليف
أنيس زكريا النصولي
من أحق بتاريخ أمية من أبناء أمية!
ومن أحق بتاريخ معاوية والوليد من أبناء معاوية والوليد!
अज्ञात पृष्ठ
فاقبلوا يا أبناء سورية الباسلة المتحدة المستقلة هذه الثمرة الصغيرة.
أنيس
مقدمة الكتاب
يتحقق الباحث في كتاب الدولة الأموية في الشام أننا لم نقسم فصوله حسب السنين أو الملوك أو الحادثات أو الفتن والحروب كما فعل غيرنا، ولم نهتم في جمع الحقائق حولها فنجعلها نقطة الدائرة أو المحور الذي يدور عليه كلامنا، بل رتبنا كتابنا هذا حسب حركات نعتقد أنها صورة حية للمبادئ والأفكار والأعمال التي قام بها الأمويون في العصر الذي سادوا فيه وتغلبت مدينتهم على العالم المعروف يومذاك، إننا أقدمنا على كتابة التاريخ على هذا النمط لأننا نعتقد أن التاريخ سلسلة حركات مستديمة متصلة مشتبكة يأخذ بعضها برقاب بعض، وهي تربط الماضي بالحاضر والحاضر بالمستقبل، وتظهر الصلة بينها في رقي الجماعات الإنسانية في البيئات المختلفة، وقد جعلنا هذه الحركات عناوين لفصول هذا الكتاب وهي: (1)
تأسيس الدولة الأموية (وقد لخصنا هذا الفصل عن كتابنا معاوية بن أبي سفيان). (2)
مأساة الحسين. (3)
الحركة الزبيرية. (4)
سياسة الشدة ومظاهرها. (5)
الفتوح الأموية. (6)
العدل والإصلاح في الدولة الأموية. (7)
अज्ञात पृष्ठ
العمران الأموي. (8)
أحوال الاجتماع الأموي. (9)
الأدب الأموي. (10)
أسباب سقوط الدولة الأموية.
وكان جل اعتمادنا على المصادر التي تراها فيما يلي: إنما رجعنا لدى تضارب الروايات إلى الطبري لصدق إسناده وتحريه الحقائق من ينابيعها، فهو من أولئك المؤرخين الذين ينقلون لك التاريخ كما تركه السلف، قال: «لم نقصد بكتابنا هذا قصد الاحتجاج ... وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره ... إنما هو على ما رويت من الأخبار ... والآثار التي مسندها إلى رواتها ... إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضيين وما هو كائن من أنباء الحادثين غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم إلا بأخبار المخبرين ونقل الناقلين دون الاستخراج بالعقول ... وليعلم أنه لم يؤت ذلك قبلنا، وإنما أوتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا.»
1
ثم إننا جربنا أن نعمل العقل والبصيرة فيما كتبناه، فلم نشد بفضل أناس ليسوا من الفضل في شيء، ولم نجعل لعلاقاتنا الدينية والطائفية والسياسية والاجتماعية تأثيرا في تدويننا التاريخ، ولم نكتب هذه الصفحات والصبغة التقديسية للسلف هدفنا، والحق أننا أردنا أن نثبت الحقائق ونفسرها حسب اجتهادنا ونحن بعيدون جد البعد عن التعصب، فإن وفقنا في هذا العمل الصغير فحسبنا هذا التوفيق في خدمة تاريخ العرب.
مدينة السلام في 1 كانون الثاني سنة 1927
أنيس زكريا النصولي
الفصل الأول
अज्ञात पृष्ठ
تأسيس الدولة الأموية
(1) حياة معاوية
الرجال ذوو الشخصيات الكبيرة التي تطل على هذا العالم قليل، غير أن أنوارهم وضاءة فيظلون منارا يهتدى به، وباعثا قويا يدفع أبناء الأجيال المقبلة على استثمار نتاج قرائحهم ومجهوداتهم كما يكون جوهم العقلي والأدبي والسياسي والديني جوا راقيا صافيا لا تشوبه غيوم الظلمة والجهالة، من هؤلاء الرجال شاب عاش منذ اثني عشر قرنا ونيف، ربي في سهول الحجاز المقفرة وهو طفل، وأظلته سماء سورية وهو يانع، ذلك الشاب هو معاوية بن أبي سفيان.
ولد معاوية في مكة، وتهذب على أبيه أبي سفيان الزعيم الكبير في الجاهلية، ثم أصبح كاتبا لوحي النبي
صلى الله عليه وسلم ،
1
وحاز على ثقته لطموحه وذكائه وخصب آماله، إن هذا المنصب جعله يحتك برجال الإسلام الذين أصبحوا بعد ذلك إما من أخصامه وإما من دعاته في نزاعه المشهور مع علي بن أبي طالب، فعرف الخليفتين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وطلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين، والدهاة المشهورين أمثال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، وكثيرا من الأنصار الذين كانت تغلو مراجل الحقد في صدورهم حسدا من أبناء قريش وغيرهم من الزعماء الذين جمعتهم المصلحة فتفيئوا ظل الراية الإسلامية، ولطالما اعترف معاوية بفائدة الاختبارات والدروس الجمة التي تلقاها من ذلك المركز، ثم نراه بعد ذلك قائدا بسيطا في جيش الفتح الذي اجتاح سورية بقيادة أخيه يزيد بن أبي سفيان،
2
فحاكما للشام والعراق نحوا من عشرين سنة، فخليفة يخضع له العالم الإسلامي لمدة لا تنقص عن مدة ولايته.
حقا إن حياته السياسية الطويلة تظهر لنا قوة الزعامة في الرجل وتمكنه من منصبه والمحافظة عليه دون أن يعتريه اليأس فينقلب خاسرا مدحورا، ويعترف أعداؤه السياسيون بقوة شخصيته التي تسحر النفوس فتجذبها، غير أنهم يتألمون منه لأنه جعل من الخلافة ملكا ضخما فخما، وحطم أساس الشورى في الإسلام بقيامه على علي بن أبي طالب وإقراره الملك في أعقابه. (1-1) لماذا ساعده أنصاره؟
अज्ञात पृष्ठ
أما مساعدوه في أعماله ومشيدو دولته فكانوا أشبه شيء بحلفائه منهم برجال خضعوا له، فعمرو بن العاص لم يسلك سبيله ويلتف حوله إلا حين شرط مصر والمغرب طعمة له،
3
ونسخة الشرط تقول أخيرا: «هذا ما أعطى معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص، أعطاه أهلها - أهل مصر - فهم له جيوشه، ولا تنقصه طاعته شرطا»،
4
وكان عمرو لا يحمل إليه شيئا من الأموال، بل يفرق الأعطية في الناس، فما فضل من شيء أخذه لنفسه،
5
ويقول الفخري: «إنه لم يكن بينهما مودة قلبية، وكانا يتباغضان سرا، وربما ظهر ذلك على صفحات وجهيهما وفلتات ألسنتهما»
6
مما يدل على أن المصلحة المشتركة كانت العامل الأكبر في اتحادهما، فمعاوية كان يطمع في الخلافة والسلطة وعمرو في مصر السعيدة الخصبة. (1-2) أشهر قادته
ولا شبهة أن عبد الرحمن بن خالد وحبيب بن مسلمة الفهري وبسر بن أرطاة والضحاك بن قيس وأبا الأعور السلمي وحمزة بن مالك الهمداني وشرحبيل بن السمط الكندي كانوا من أعظم قواده ومدبري دولته وحكام أجناده،
अज्ञात पृष्ठ
7
فالأربعة الأول الذين ذكرنا أسماءهم آنفا هم مكيون ، أما أبو الأعور السلمي فهو من قيس، القبيلة التي ينتسب إليها معاوية نفسه، ولم يقع معاوية في غلط التحزب لقبيلة أو حزب ما فيقسم أهل البيت الواحد بعضهم على بعض، بل استثمر مواهب مواطنيه، سواء كانوا أنصارا أم يمنيين، أجل حين اعتلى معاوية عرش الخلافة أخذت القبائل القرشية تخفف من غلواء عدائها، فأسس في دمشق حكومة مادتها تشتيت الأحزاب، ولكنه لم ينتسب علنا إلى واحدة منها.
كل هؤلاء القادة قدموا شبانا إلى سورية حين الفتح سوى شرحبيل، وقد استخدموا عند يزيد بن أبي سفيان وظلوا في عداد رجال معاوية نحوا من ثلاثين سنة، ولقد كانوا قادة كبارا لم يتبوءوا مراكزهم إلا عن جدارة واستحقاق، فاستعملهم معاوية في الحروب التي أشعل نارها حبا باتساع المملكة الأموية، وقد أبلى حبيب بن مسلمة البلاء الحسن في العراق وأرمينيا وصفين،
8
ولعب كل من أبي الأعور السلمي وبسر بن أرطاة دورا مهما في فتح مصر وأفريقيا،
9
وبسر هذا رجل ذو شخصية غريبة وشجاعة نادرة، كان له في بث دعوة معاوية شأن، وهو من أولئك البدويين الذين لا تتخلل الرحمة قلوبهم، فيفتك بأعدائه إن تمكن منهم فتكا ذريعا، هؤلاء القادة هم الذين قاموا بمعظم مغازي معاوية في الأناضول وغيرها، فبينا نرى عبد الرحمن بن خالد وحبيب بن مسلمة يضربان المملكة البيزنطية الضربة تلو الأخرى إذا بأبي الأعور وبسر يقودان أسطول معاوية للانتصار في المواقع البحرية، ومن الغريب أن هؤلاء القادة الأشداء كانوا في بعض الأحايين رجال إدارة وسياسيين.
10
ومثلا على ذلك نقول: إن أبا الأعور وحبيبا تخابرا مع علي أثناء معركة صفين وهيآ الكتاب أو «البروتوكول» المبدئي لمؤتمر أذرح، وقد حكم حبيب بن مسلمة أخيرا جند قنسرين في شمال سورية إلى الحدود البيزنطية، وتولى أبو الأعور جند الأردن، وشرحبيل جند حمص. (1-3) اليمنيون والقيسيون
كان اليمنيون يؤلفون القسم الأعظم من الجيش السوري، ويشهد الطبري بذلك حيث يقول إنهم «أعظم جند أهل الشام».
अज्ञात पृष्ठ
11
وقد اعتمد عليهم معاوية في قتال البيزنطيين وأهل العراق، فكانوا سيوفه البتارة حين محنه، ومع ذلك فقد ذكروه أحيانا بأعمالهم المجيدة،
12
وكان اليمنيون أيضا ساعده الأيمن في تجهيز الأسطول وقيادته؛ ولذا عطف عليهم لإخلاصهم لقضيته، واستمالهم بكرمه، وجعل بعضهم من بطانته، ولما اعتنق هؤلاء الإسلام - ذلك الدين الجديد - ظلوا ينظرون إلى «مبدأ العربية الشامل»
13
المبدأ الجامع لشتاتهم، فلم تكن الحزبية معروفة تماما في بلاطه، وأصبحوا بتوالي الأيام شاميين ومن أعظم دعاته.
إن معاوية وإن كان قيسيا في انتسابه، فقد علم علم اليقين أن الاتفاق مع القبائل العربية المتوطنة سورية منذ أجيال دعامة كبيرة في سبيل دعوته، وركنا متينا في توطيد العائلة المالكة الأموية، وكان اليمنيون - أولئك الذين اعتادوا النظام والحياة الهادئة في ظل الحكومة البيزنطية - من أكبر مساعدي معاوية على إدارة سورية.
أما القيسيون فقد كانوا يسكنون التخوم في الجهة الشرقية من سورية وهم أقلية، نجد أغلبهم في قنسرين، والاعتماد عليهم دون سواهم غلط فادح لكثرة اليمانية، ويشهد بذلك أن معاوية حين ابتدأ في نزاعه مع علي أشير عليه باكتساب رضى اليمانية وعلى الأخص زعيمهم شرحبيل بن السمط.
إن اليمنيين والقيسيين بامتزاجهم مع سكان سورية رقت عقليتهم ونمت أفكارهم نوعا ما، فنزعوا عنهم ثوب البداوة، ومن المهم أن نقرر أن هؤلاء العرب - وخصوصا أبناؤهم - أخذوا ينسون وطنهم الأول ويرون في سورية وطنا ثانيا، وقد كانوا ذوي ليونة ومران قابلين لكل تجدد.
كان معاوية يستشير رجاله وذوي الرأي من نبلاء سورية في أموره، وطالما أبديت الآراء بصراحة أمامه دون رهبة أو وجل كما هو الشائع اليوم في المجالس النيابية عند الغربيين، ويقول الحصري: إنه «إذا أراد أن يفعل شيئا ألقى منه طرفا إلى الناس»، ويؤكد لامنس أن معاوية «جدير بأن يتربع في أيامنا هذه على كرسي الرئاسة في أي مجلس من مجالسنا التشريعية».
अज्ञात पृष्ठ
14 (2) الحرب الأهلية أو نزاع معاوية مع علي
لما قتل عثمان اجتمع أناس من المهاجرين والأنصار، فأتوا عليا وبايعوه سنة 35 هجرية/655م، والأنصار هم أكثرية حزب علي، إن هؤلاء منذ وفاة الرسول
صلى الله عليه وسلم
لم يرضوا عن أبي بكر خليفة للمسلمين، بل اعترضوا واحتجوا على ذلك، ولو نظرنا إلى الأمر جليا لتحققنا أنهم لم يفوزوا في انتخاب علي خليفة في الفرص الثلاث التي سنحت لهم، بل تربع على عرش الخلافة أبو بكر فعمر فعثمان كما هو مشهور، على أن هذا لم يمنع بعضهم من التألم والحزن لمقتل عثمان كحسان بن ثابت والنعمان بن بشير وكعب بن مالك، ولو استثنينا النبلاء من أهل المدينة لوجدنا العدد القليل من أشراف بقية البلاد الإسلامية موالية لعلي، ويمكننا القول: إن أغلب سادة قريش وقفت على الحياد أو ظاهرت معاوية وكاتفته، فتأثر ابن أبي طالب كثيرا من عدائهم له،
15
أما مهاجرو مكة فقد تحزبوا لعلي وهم في أماكنهم وعن بعد، وكان الهاشميون أعوانه وقوام حزبه بطبيعة الحال، غير أن منهم من تخلى عنه كعائشة أم المؤمنين وأسامة بن زيد الذي تبناه الرسول وعقيل بن أبي طالب أخي علي، وهو شاب قبل الإسلام متأخرا ولم يشترك في أي معركة أو غزوة قبل فتح مكة. (2-1) المعتزلة
أطاعت خراسان ومصر والعراق عليا اسميا، ولم يكن له السلطة المطلقة البتة في هذه المقاطعات، واعتزل عن بيعته سعيد بن زيد وعبد الله بن سلام والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبي وقاص وعبد الله ابن الخليفة عمر بن الخطاب وأبو موسى الأشعري،
16
أحد حكمي مؤتمر أذرح، فسموا المعتزلة - وهم غير الفرقة الفلسفية الإسلامية - وكان هؤلاء يعتقدون أنه لا يجوز دينا الاشتراك في الفتنة ومقاتلة السوريين إخوانهم في الإسلام، يدلنا على ذلك ما قاله أسامة معتذرا لعلي حين طلب منه الانضمام إلى صفوفه: «اعفني من الخروج معك في هذا الوجه، فإني عاهدت الله أن لا أقاتل من يشهد أن لا إله إلا الله»،
17
अज्ञात पृष्ठ
وقول آخر: «أتريد أن تسير بنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم.»
18
وقد خاطب سعد عليا بقوله: «أعطني سيفا يفرق المسلم من الكافر»،
19
ثم انضم معظم هؤلاء الرجال المعتزلة إلى معاوية ومنهم تألف حزب العثمانية
20 «الذين يقدمون بني أمية على بني هاشم، ويقولون الشام خير من المدينة»،
21
وقد قعدوا عن علي بن أبي طالب ولم يشهدوا حروبه، واعتقدوا أن عثمان قتل خطأ، ولكعب بن مالك أحدهم مراث في الخليفة المقتول وتحريض للأنصار على نصرته قبل قتله، وتأنيب لهم على خذلانه،
22
فاتحاد هؤلاء الرجال مع معاوية أو اعتزالهم كاف لأن يؤكد لنا أن حقوق علي في الخلافة كانت أمرا مشكوكا فيه لم تثبت أصوله في صدور القوم أجمعين. (2-2) العثمانية
अज्ञात पृष्ठ
تدل كلمة «عثمانية» في الأصل على أقرباء عثمان الخليفة الثالث ومواليه، غير أنها أطلقت في الحرب الأهلية للدلالة على حزب الخليفة المقتول الذين قاموا يطلبون قصاص من سفك دم ذلك الشهيد المظلوم في عرفهم، وتطرف بعضهم فقالوا: إن لعلي يدا في الثورة التي نشبت في المدينة وكان من نتيجتها قتل عثمان؛ ولذا فهو غير جدير بتسلم عرش الخلافة، وإنه لمن الغلط الفادح أن نعتقد بأن العثمانية هم حزب معاوية ومريدوه، بل بالعكس، فإن كل من التف حول معاوية وناصره من أجل الاقتصاص لعثمان والأخذ بثأره هم من العثمانية.
23
أما القبائل فكان قسم منها مع علي وقسم آخر مع معاوية، لكن باهلة وبكر القبيلتان العراقيتان الصميمتان كانتا من أخلص المخلصين لدعوة ابن أبي طالب، ثم انضمت إليه تغلب في الجزيرة واشتركت معه، كما اتحدت قبلا مع غيره محافظة على مصالحها لقربها من العراق، ولم يكن بنو تغلب من الذين يضحون بأنفسهم في سبيله؛ لأننا نراهم بعد ذلك في صفوف معاوية في الكوفة، إلا أن المتوطنين سورية منهم كانوا من حزب ابن أبي سفيان، وتردد شاعرهم الأخطل الشامي - كما يسميه الفرزدق - على بلاط الأمويين قدما كاف للدلالة على ذلك.
ومهما يكن من أمر هؤلاء فإن اليمن ومصر والعراق كانت دعامة الحزب العلوي ومادته الحية، غير أنه كان بها كثير من العثمانية الذين تألموا لفاجعة المدينة وغيرهم من المعتزلة، ففي مصر كان عددهم نحوا من عشرة آلاف، وقد حسب علي هؤلاء من الخونة
24
لأنهم لم ينصروه، وحارب معظمهم بجانب معاوية في معركة صفين، ومن ثمة ساعدوه على فتح مصر والعراق والتغلب عليهما، ويعدد معاوية الأسباب التي جعلته يفوز على علي في نزاعهما فيقول: «أعنت على علي بثلاث: كان رجلا ظهره علنه، وكنت كتوما للسر، وكان في أخبث جند وأشده خلافا، وكنت في أطوع جند وأقله خلافا، وخلا بأصحاب الجمل فقلت: إن ظفر بهم أعددت ذلك عليه وهنا، وإن ظفروا به كانوا أهون شوكة علي منه»،
25
ويزيد العقد الفريد أنه قال: «وكنت أحب إلى قريش منه»، أي من علي «فيا لك من جامع إلي ومفرق عنه».
26
هذا عدا عن تفوق سياسيي معاوية - وأغلبهم من الأرستقراطية المكية - على رجال علي الأنصار كما يظهر لنا من تتبع حوادث مؤتمر أذرح. (2-3) معركة صفين
अज्ञात पृष्ठ
حين قتل عثمان وهبت عواصف الآلام في صدور من تخلف عن بيعة علي وغيرهم من العثمانية تربص معاوية يتتبع سير الأحوال، فلم يتابع عليا نظرا لما جاش في صدره من الأطماع في السيادة والسلطة على العرب، سيما ولعائلة أبي سفيان مجد تالد في قريش، ولأنه خاف من علي إذ علم أنه متى استتب له الأمر عزله ولم يستعمله،
27
فاستشار معاوية عمرو بن العاص في القيام عليه، فأشار على معاوية «أشرب قلوب أهل الشام اليقين بأن عليا مالأ على قتل عثمان قبل أن يدعوهم إلى الخلاف، وأن يتقدم إلى ذلك بالتوطين للأشراف منهم، خصوصا رأسهم شرحبيل بن السمط.»
28
فدس إلى أهل الرضا عنده أن يخبروه بفاجعة عثمان، الواحد أثر الآخر حتى أشبعوا نفسيته بأنه قتل مظلوما، فأتى معاوية وقال: «والله لئن بايعته لنخرجنك من الشام»،
29
فأجاب: «ما كنت لأخالف أمركم، وإنما أنا واحد منكم»، إن معاوية بعد أن ذلل هذه الصعوبة وتأكد من إخلاص زعيم أهل الشام عمد إلى اكتساب قلوب العامة، فأرسل شرحبيل في مدائن سورية يبايعهم على النصرة والمعونة والأخذ بثأر خليفتهم المظلوم، ولطالما بكى واستبكى الناس مذكرا إياهم بمصاب عثمان؛
30
مما يدلنا أن معاوية لم يحرم من المواهب الخطابية التي تؤثر في النفوس فتستهويها وتضرب على وترها الحساس فتجتذبها، فأجابه الناس كلهم إلا نفرا من أهل حمص.
ثم بين معاوية للعالم الإسلامي الأسباب التي دعته للثورة ، وضمنها في رسالة بعث بها إلى مندوبي ابن أبي طالب، وهي أساس المبادئ العثمانية، وتقول: «أما بعد ... فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة، فأما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا، وأما الطاعة لصاحبكم فلا نراها، إن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وتأوى ثارنا وقتلتنا، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه، أرأيتم قتلة صاحبنا، ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة»،
अज्ञात पृष्ठ
31
إن معاوية أوجد لعلي بذلك مشكلة صعب حلها، إذ كيف يسلم قتلة عثمان وهم يده وعضده وأنصاره وبطانته؟
32
وإن لم يفعل ذلك تسرب الشك إلى صدر الأمة فتعتقد أن لعلي دخلا في فاجعة المدينة سواء كان مجرما أو بريئا، وقد أجاب ابن أبي طالب على ذلك بكلمات مبهمة غير محددة مما لا تبعث اليقين إلى النفوس؛ لأنه لم يدفع بها عن نفسه التهمة التي صوبها إليه معاوية وكانت السبب الأكبر في تزعزع أركان دعوته والتخلي عنه، وهاك جوابه: «وأما ما سألت من دفعي إليك قتلته فإني لا أرى ذلك؛ لعلمي بأنك إنما تطلب ذلك ذريعة إلى ما تأمل ومرقاة إلى ما ترجو، وما الطلب بدمه تريد.»
33
القتال بين جيش علي وجيش معاوية
ثم التقوا بصفين من أرض الشام على الفرات، فجرت بينهم مناوشات وحروب، وكان أولها أن معاوية وأصحابه سبقوا إلى شريعة الماء فملكوها ومنعوا أصحاب ابن أبي طالب من الماء، غير أنهم أجبروا على مغادرتها بعد مناوشة انجلت عن تقهقرهم،
34
والجدير بالذكر أنه حين كان يكف القتال تتوادع الجنود ويختلطون بعضهم ببعض، فلا يعرض أحد من الفريقين لصاحبه إلا بخير، ورجوا أن يقع الصلح،
35
अज्ञात पृष्ठ
وكانت طريقة القتال أن تخرج الجماعة من هؤلاء إلى الجماعة من أولئك فيقتتلون بين العسكرين، وقد كرهوا الالتقاء بجميع الفيلقين مخافة الاستئصال،
36
ولم تقع هزيمة ما على أحد الفريقين إلى أن كان يوم الهدير،
37
وهو أعظم يوم بصفين، وبه زحف أهل العراق على أهل الشام فأزالوهم عن مراكزهم وحمل الناس بعضهم على بعض حملة شعواء ، حتى تكسرت الرماح وتقطعت السيوف ونفد النبل وتكادموا بالأفواه وتحاثوا بالتراب،
38
وذلك أن عليا أمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام؛ إلا أن تكون قبيلة ليس بالشام منها أحد فيصرفها إلى قبيلة أخرى كباهلة فإنه صرفها إلى لخم.
39
بروتوكول صفين
وحين ظهرت أمارات الفتح أشار عمرو على معاوية برفع المصاحف على الرماح
अज्ञात पृष्ठ
40
والدعاء إلى ما فيها من أمر الله، وغايته من ذلك: أولا: إيقاع الانقسام في أحزاب علي؛ لأن هذا أمر إن قبلوه اختلفوا وإن ردوه تفرقوا، ثانيا: رفع الحرب عن السوريين إلى أجل أو إلى حين على الأقل، ولقد أثر ذلك على عقلية الجنود إذ قيل لهم: «من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام، ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق»، إن ذلك العامل الذي أبان لهم ما يصيبهم من الضرر «مدموغا بطابع الدين» جعلهم يفترون عن القتال ويصيب سهم ابن العاص مرماه.
والحقيقة هي أن التفرقة وقعت في جند علي، فقام بعضهم وقال: إنها مكيدة، فأجابهم آخرون: «إنا قد بدأنا بدعاء أهل الشام إلى كتاب الله فردوا علينا فاستحللنا قتالهم، فإن رددناه عليهم حل لهم قتالنا»،
41
وأخيرا قر قراراهم بعد الجدال في مسألة الشك واليقين من صدق أمرهم على أن يرضوا بالتحكيم، وهيأ مندوبو كل من الفريقين الكتاب أو البروتوكول الآتي بيانه:
42
أولا:
ينزل الحكمان والفريقان عند حكم الله عز وجل وكتابه.
ثانيا:
الحكمان هما: أبو موسى الأشعري عن أهل العراق وعمرو بن العاص القرشي من قبل أهل الشام.
अज्ञात पृष्ठ
ثالثا:
يعتمد الحكمان على السنة العادلة الجامعة غير المفرقة فيما لم يجداه في كتاب الله.
رابعا:
الأمن والاستقامة ووضع السلاح جار بين أفراد الحزبين أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وشاهدهم وغائبهم.
خامسا:
الأمة لهما أنصار على ما يتقاضيان به، وليس لعلي ومعاوية أن ينقضا مما حكم به في كتاب الله وسنة نبيه، وهما آمنان في حكومتهما على دمائهما وأموالهما وأشعارهما وأبشارهما وأهليهما وأولادهما.
سادسا:
مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الكوفة (العراق) وأهل الشام، ويأخذ الحكمان من أرادا من الشهود.
سابعا:
أجل القضاء إلى رمضان، وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما.
अज्ञात पृष्ठ
نقد بروتوكول صفين
حقا إن معاهدات السياسيين بها شيء من الإبهام وعدم التحديد، ولعلهم أنفسهم يودونها أن تكون كذلك كيما يعلقوا المسائل تعليقا دون حل نهائي لها، إذ ربما تسنح الفرص بعد ذلك بتتميمها، ومن هذا القبيل نرى أن المادة الأولى من هذا الاتفاق غير محدودة، إذ ما معنى حكم الله؟ وما هي التفصيلات الدقيقة التي يجب أن يبحث فيها أعضاء المؤتمر حين يضعون أيديهم على «حكم الله» إذا وجدوه ووصلوا إليه؟
ثانيا: ترى هل كان أحد الحكمين أو كلاهما منتخبين من قبل الحزبين بتمامهما أم كان هنالك فئة غير راضية عن أحدهما أو كليهما؟ إلا أننا نعرف أن عليا نفسه لم يكن راضيا عن أبي موسى، ويثبت لنا ذلك رأيه فيه حيث قال: «إنه ليس لي بثقة، قد فارقني وخذل الناس عني، ثم هرب مني حتى أمنته بعد أشهر»،
43
وللنقادة الأحنف بن قيس رأي في أبي موسى وهو: «قد عجمت هذا الرجل وحلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر.»
44
ناهيك ثالثا بأن التحكيم نفسه لم تقبل به فئة كبيرة من الناس دعوا بعد ذلك بالخوارج، وتفصيل الخبر أنه لما خرج الأشعث يقرأ مواد الكتاب الذي عقد بين الطرفين على الناس قامت طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية حيث قال: «تحكمون في أمر الله عز وجل الرجال، لا حكم إلا لله»،
45
كذلك صرحت له تماما فئة من عنزة وبعض من أشراف مراد وغيرهم من بني راسب، إذ تنادوا: «لا يحكم الرجال في دين الله»؛
46
अज्ञात पृष्ठ
مما يدل أن عليا لم يصل إلى منصب الخلافة إلا بأمر الله، ومنصبه جليل سام لا رأي للناس فيه أو في انتخاب الرجل الذي يجب أن يتسنمه، إذ إن الله خصه به، ولقد قاموا على علي لأنه شك في صحة خلافته وجعل نفسه عرضة للحكم الذي يصدره الحكمان.
رابعا : إننا لو تصفحنا العقد لتحققنا أن عليا لم يلقب فيه بأمير المؤمنين
47
مما يبرهن لنا أن خليفة المسلمين رضي بأن ينزل نفسه منزلة معاوية حاكم دمشق، وأن يخضع وإياه لصوت القضاء، وهذا ضعف في سياسته كما لا يخفى. (2-4) مؤتمر أذرح
دومة الجندل وأذرح
كانت دومة الجندل البلدة التي صمم الحكمان على جعلها مقرا للمؤتمر في بادئ الأمر، إذ إنها في مركز وسط بين سورية والعراق، وقد انتخبت أذرح أيضا مكانا لاجتماعهما، وهي من أعمال الشراة ثم من نواحي البلقاء وعمان
48
مجاورة لأرض الحجاز، تبعد نحوا من ميل عن الجرباء، ويستطاع القول إنها في منتصف المسافة بين معان وبطرا (وادي موسى) في أيامنا هذه.
وكانت أذرح محطا للقوافل القرشية التي أمت سورية أيام الرسول
صلى الله عليه وسلم ، وقد لعبت دورا مهما في الأعصر الرومانية إذ جعلوها مخيما ومركزا للمواصلات مع البحر الأحمر، وهي غنية بمياهها في تلك البقاع الجرداء، ووريثة بترا في اجتذابها القوافل حين مرورها إلى شرقي الأردن، ولقد خسرت مركزها التجاري حين الفتح الإسلامي، وكان لمعان النصيب الأوفر في النمو والازدهار بعدها، وآخر ذكرى لها في التاريخ الأموي هو تنازل الحسن بن علي عن الخلافة فيها لمعاوية، والظاهر أنها خربت أيام الحملات الصليبية على سورية؛ لأن مؤرخيهم لا يذكرونها مع كثرة معسكرات اللاتين كوادي موسى
अज्ञात पृष्ठ
49
وغيرها في تلك الجهات، ومن الشائع المتعارف لدى المؤرخين العرب سوى الطبري
50
أن دومة الجندل كانت مركز المؤتمر، وذلك لإثباتهم الروايات دون غربلة وانتقاد، غير أننا لو تصفحنا أقوال الشعراء لأكدنا أن المؤتمر لم يعقد إلا في أذرح، ويشهد بذلك قول ذي الرمة يمدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري:
أبوك تلاقي الدين والناس بعدما
تساموا وبيت الدين منقطع الكسر
فشد إصار الدين أيام أذرح
ورد حروبا قد لقمن إلى عقر
51
ولنا من شعر كعب بن جعيل في عمرو بن العاص ما يثبت ما نحن بصدده:
अज्ञात पृष्ठ