بعد فتح مكة، فبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجا، وكان
صلى الله عليه وسلم
يعلم أن هذا الأمر سينمو ويزيد، وأن الله سيفتح لأمته الممالك ويخضع لهم الأمم، وقد بشرها بذلك. فكل هذا كان مانعا من وضع قاعدة للشورى تصلح للأمة الإسلامية في عام الفتح وما بعده في حياة النبي
صلى الله عليه وسلم ، وفي العصر الذي يتلو عصره، إذ تفتح الممالك الواسعة، وتدخل الشعوب التي سبقت لها المدنية، في الإسلام أو في سلطان الإسلام؛ «إذ لا يمكن أن تكون القواعد الموافقة لذلك الزمن صالحة لكل زمن»، والمنطبقة على العرب في سذاجتهم، منطبقة على حالهم بعد ذلك وعلى حال غيرهم. فكان الأحكم أن يترك
صلى الله عليه وسلم
وضع قواعد الشورى للأمة تضع منها في كل حال ما يليق بالشورى. ومنها أن النبي لو وضع قواعد مؤقتة للشورى بحسب حاجة ذلك الزمن لاتخذها المسلمون دينا، وحاولوا العمل بها في كل زمان ومكان، وما هي من أمر الدين» (الإسلام والعلمانية وجها لوجه، مكتبة وهبة، القاهرة، ص123).
إن قرضاوي بذلك يقول إن مسألة الحكم والشورى هي ليست من الدين في شيء - وهو المرجع الأعظم لكل الفرق الإسلامية اليوم - ويعتبرها مسألة خاضعة للمكان والزمان.
ويقتبس قرضاوي من محمد الغزالي داعما لرأيه؛ إذ يقول الغزالي: «أما الفكر الإسلامي فهو عمل الفكر البشري في فهمه، والحكم الإسلامي هو عمل السلطة البشرية في تنفيذه، وكلاهما لا عصمة له» (نفس المصدر السابق، ص159).
أما الديمقراطية فشأن آخر ناضج معقد متشابك، يهتم بسن القوانين والتشريعات ومتابعتها، وتتبعها مؤسسات تصون قيمها وتملك قدرة المحاسبة، بما يتنافى ليس مع ما يطرحه الإسلاميون فقط، بل مع كل الأديان؛ لأنه شأن إنساني بحت، ولأن الأديان تتعامل مع قوانين وتشريعات تأتي من السماء مفروضة على الناس فرضا، والمؤمن هو الملتزم بهذه القوانين، وهي أصلا ألوان من التعبد والقوانين الأخلاقية. وفي بلادنا يقوم رجال الدين - عبر شيء اسمه الفتوى وإعادة التفسير - بصك قوانين جديدة طوال الوقت لم تكن في صلب الإسلام الأول، ليتم لهم تسخير المسلمين والسيطرة على أرواحهم ، كأن رب الإسلام قد سها أو نسي أن يصدر مثل تلك التشريعات فقاموا يسدون النقص نيابة عنه؛ كتحريم شرب السجائر التي لم يعرفها زمن الدعوة ليقول تشريعه بشأنها، وكفرض الحجاب للمرأة ركنا من أركان الإسلام؛ هذا ناهيك عن كم هائل من الأحاديث يستخرجون منه بالقياس أضعافه من أحكام وشروط على عاتق المسلم، ولا يكتشفون أن تلك الأحاديث ضعيفة أو أنها إسرائيليات إلا عندما نستشهد بها نحن.
وكان عربي الجزيرة يعرف أن الشورى هي النصيحة وليست هي الديمقراطية؛ حيث إن الديمقراطية كانت معروفة قبل الإسلام بقرون، فقال شاعرهم:
अज्ञात पृष्ठ