दवला उथ्मानिया
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
शैलियों
إلى روحك الطاهرة يا رجل الحرية أهدي هذه الصفحات، وإنك ولئن قضيت شهيدا في جهادك، فحسبك أنك افتديت بنفسك أمة تحلك محلا أسمى من منزلة الشهداء. وهذه ذرة حقيرة من مظاهر الولاء والإجلال.
إلى أبناء الوطن العثمانيين
تمهيد
لو تجلى للناس نبي من الأنبياء لأيام خلت، وقال للعثمانيين: بشراكم، فلا يهل الهلال حتى تسطع في أفق جوكم المدلهم أهلة الحرية والإخاء، وتتفكك قيود الاستبداد فتسحق وتذرى هباء منثورا، وتتبدد غياهب الأحقاد والضغائن من بينكم، حتى إذا بتم ليلتكم على غلة التباغض والتنابذ نهضتم وما شعرتم إلا وقد انتزعها الله من أفئدتكم المضطربة، فهاجت صدوركم عواطف التضامن والحنان، وتنهزم من وجهكم جيوش الجواسيس الجرارة فتنفتح لكم أبواب بلادكم الفسيحة فتلجوا أي باب شئتم منها آمنين مطمئنين، وأنتم حيث كنتم في مأمن من واش مكار وآمر غدار. ثم قال لهم: وتستثمرون الأرض فينمو زرعكم ويسرح ضرعكم، وتترقى صناعتكم وتروج تجارتكم، تعلمون وتتعلمون وتكتبون وتتغنون بالشعر على أي وتر شئتم، وتمحى آثار الذلة والمسكنة، فيرمقكم الأجنبي بعين الإعظام بعد أن كان يخالكم طعمة سهلة المساغ. إي نعم لو جاء العثمانيين نبي بمثل هذا النبأ العظيم لهزءوا به وقالوا : إنا - ولئن كنت صادقا - فلسنا لك بمؤمنين، لقد أكثرت علينا من نعم الله، فهات بعض ما تمنينا به وعهد الله إننا به راضون.
ولا يظنن القارئ اللبيب أننا نشير في ما تقدم إلى أن الجزع بلغ من أبناء الوطن العثمانيين مبلغ اليأس؛ فباتوا يخالون الرقي والإصلاح من المستحيلات، أو يحسبون أن للدول أدوارا وقد انقضى من بينهن دور دولتهم الباسلة. وكيف يرمى أبناء الدولة العثمانية بمثل هذا الخمول، وكل مراقب مطلع يعلم أن مبدأ هذه النهضة يرجع إلى عهد السلطان سليم الثالث، ذلك السلطان العظيم الذي لم يقدره التاريخ حق قدره، وأن أربعين سنة خلون والأحرار البواسل يجودون بالمال والأرواح؟
إذا مات منهم سيد قام سيد
قئول لما قال الكرام فعول
وما زالوا يناضلون ويكافحون ويتدبرون الأمور بالعنف واللين حتى انتشر مذهبهم، فوجد مستقرا فسيحا في أعماق الصدور، وأي صدر لا يتلقى بملء البشر مثل هذا الضيف الجليل!
ولسنا بناشرين حقيقة مجهولة إذا قلنا: إنه لم يبق في البلاد العثمانية رجل واحد من أرباب العقول لا يرى وجوب تبدل الحال. ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن معظم المرائين الذين كانوا ينادون بالاستبداد على رءوس الأشهاد كانوا في حظيرة كتمانهم أشد الناس تذمرا من هذا المصير، فلما طفحت الكأس وعم البلاء أصبح معظم أبناء البلاد على رأي واحد، حتى إذا خلوت بوال معتز بإمارته، أو وزير متربع في دست وزارته، وأمن جانبك وكاشفك بما يكنه صدره؛ رأيت أنكما متفقان رأيا ووجدانا. وسترى في ثنايا السطور التالية شواهد وأدلة ساطعة تنبئك أن الأمة العثمانية - ونريد بها لفيف العثمانيين - لم تشرف على الموت في زمن من الأزمان، ولكنه لم يكن يهجس في صدر أحد هاجس هذا الانقلاب السريع؛ فلقد فازت أمم من قبلنا بدستور كدستورنا، ولكنه ليس في تاريخ واحدة منهن بلوغ هذه الأمنية في منتهى أدوارها بمثل هذه السرعة ومثل هذه الحنكة وهذا التدبير، بدون إراقة دم من الدماء الطاهرة والدنسة.
ولا يعترض على هذا القول بما كان من أمر الدستور الياباني ؛ فليست هناك حقوق نهضت الأمة تطالب بها، وإنما هو قبس حكمة وذكاء اتقد في رءوس أولي الأمر منها، وهم أرقى علما وعقلا وأدبا من محكوميهم؛ فجردوا أنفسهم بلا منازع من سلطتهم المطلقة، وحادوا بها على أمتهم المتحدة العنصر فأفلحوا. وهي الحادثة الوحيدة في بابها مما دونه التاريخ منذ قال أبو بكر الصديق والخليفة عمر على منبر الخطابة: «يا أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه.»
अज्ञात पृष्ठ