दर्ब इस्कंदरिया
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
शैलियों
وهذه علة بالغة في السخافة لو صح أن الأسطول البريطاني كان معرضا لشيء من الخطر بعد استعداد الحصون المصرية لدفع هجومه عليها، ولكنه مع هذا لم يكن عرضة للخطر على الإطلاق، ولم يكن أيسر عليه من تحويل موقعه فلا تصيبه قذيفة حصن من الحصون، وكانت مدافعها كما هو معلوم أقصر مدى من أضعف مدافع الأسطول. وفي ذلك يقول إنجليزي آخر هو مستر «رويل» الذي كان محاميا أمام محكمة الإسكندرية المختلطة، ثم عين مستشارا بمحكمة الاستئناف الوطنية، وألف كتابا عن الحملات المصرية، قال فيه: «إن الخطر الذي كانت تستهدف له مدرعات الأسطول من جراء الاستعدادات المصرية لم يكن إلا خطرا وهميا في ذلك الحين، وعلى فرض الخطر الحقيقي كان في الإمكان اتقاؤه إذا انحرف القائد بأسطوله بعض الانحراف.»
والقائد نفسه كان يدرك ما في معاذيره من الوهن والتجني المفضوح، فترك الوقائع ولجأ إلى الأحلام والنيات يعلل بها استباحته للمدينة العزلاء، وكان فيما كتبه إلى مجلس البحرية: «إن أحمد عرابي يشيع أن النبي يزوره كل ليلة ويرجو أن يوقع الأساطيل المتحدة في الفخ بمراكب محملة بالحجارة يغرقها في مدخل الميناء.»
وقد أطلقت دعاية الاستعمار في ذلك الحين كل قذائفها على مصر والمصريين، لعلها تحجب هذه الفعلة النكراء في جو من الأباطيل والأراجيف. ولكن الحقيقة كانت أوضح من أن تحتجب بهذه الدعاية كل الاحتجاب حتى في مجلس الوزراء الإنجليزي؛ فاستقال من وزارة «غلادستون» أقوى أعضائها وأخطب خطباء ذلك العصر في عالم السياسة الأوروبية، استقال «جون برايت» من الوزارة؛ احتجاجا على تلك الجريمة التي لا يسوغها شرع ولا عرف ولا أدب من آداب الحضارة. وأقام جماعة من ذوي الأخلاق احتفالا لتكريمه، خطب فيه الدكتور «دال»، فقال: «إن الإجلال والحب اللذين يوحيهما مستر برايت لا يكفي في تفسيرهما بيانه البليغ وخدمته العظيمة لبلاده. إن الرجل أعظم من فصاحته، إنه أنبل من خدمته، فقد كان في جميع الأحوال وفيا لضميره، لم تكن جميع الأباطيل والوشايات وأقاويل السخرية والبغضاء لتحيد به قيد شعرة عما اعتقد أنه جادة الحق والصواب.»
ثم تعاقبت الحوادث دراكا بما يثبت الواقع الغني بنفسه عن الإثبات.
إن ضرب الإسكندرية لم تكن له علة واحدة يبحث عنها الباحثون في أنباء ذلك اليوم ولا أنباء ذلك الشهر ولا أنباء تلك السنة أو تلك السنوات.
إن المدينة العامرة بسكانها قد استبيحت بالدم البارد والروية الطويلة لأسباب كثيرة ترجع قبل ذلك إلى مئات السنين. «أما قبل»، فهذا ما سنجمله فيما يلي من الفصول.
مقدمات تاريخية
تعتبر المسألة المصرية من جميع الوجوه حلقة من سلسلة الوقائع والمنازعات التي دارت سجالا بين الشرق والغرب من أقدم العصور التاريخية، وتعددت بواعثها بين عصر وعصر، وهي في جميع البواعث تدور على محورها «التقليدي» من هذا النزاع الدائم بين الشقين المتناظرين.
وقد عللت هذه المساجلات حينا بحب الفتح والغلب، وحينا بدفع الخطر واتقاء الغارة، وأحيانا بالبحث عن الموارد الزراعية والتجارية أو بتنازع البقاء بين زحام الشعوب في حيز محدود.
ولكنها في حوادثها التي انتهت باحتلال مصر، قد تمثلت في دورين كبيرين، أحدهما لاحق بالآخر ومتوقف عليه، هذان الدوران هما: دور الحروب الصليبية ثم دور المسألة الشرقية، واحتلال مصر لم يكن إلا صفحة من صفحات هذا السجل الواسع الذي اشتهر باسم المسألة الشرقية، وامتد من الشرق الأدنى إلى الشرق الأقصى في حقبة من حقب التاريخ.
अज्ञात पृष्ठ