दर्ब इस्कंदरिया
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
शैलियों
ولم ترض الدول بأقل من فرض الرقابة الفعلية على ديواني المالية والأشغال، فاختير للوظيفتين ريفرز ويلسون
Rivers Wilson
الإنجليزي، وبلنيير
Blignieres
الفرنسي، ثم شكا هذان الموظفان من ضيق نطاق السلطة. واقترح مندوبو الدول في صندوق الدين ندب لجنة للتحقيق بدأت عملها باستدعاء وزير الحقانية «شريف باشا» لسؤاله فأنف الرجل أن يستدعى كما يستدعى المتهمون واستقال حين أصرت اللجنة على إحضاره ولم تقنع منه بالردود الكتابية على أسئلتها. ثم أشارت لجنة التحقيق بإقامة وزارة مسئولة يكون من أعضائها المراقبان الأجنبيان، فتألفت أول وزارة من هذا القبيل سنة 1878 برئاسة «نوبار باشا»، وفيها ريفرز ويلسون وزير للمالية وبلنيير وزير للأشغال. وكانت ألمانيا تؤيد إنجلترا وفرنسا في ضرورة الرقابة على أهم الدواوين في الحكومة المصرية؛ لأن بسمارك كان يخشى - إذا لم تتفق الدول على التدخل جميعا - أن تقدم إحداهن على الانفراد بالعمل، كما قال سفيره في العاصمة الإنجليزية اللورد «دربي»، وهو يلمح إلى فرنسا ويدور بخلده أنها هي التي يخشى منها أن تقدم على هذه الخطوة.
ولم يسترح الخديو إلى هذا الضغط على سلطته فعمل على مناوأة الوزيرين الأوروبيين. وقد قوبل تعيينهما بالسخط الشديد في مصر، وزاد المصريين سخطا على سخط أن الوزيرين لم يوفقا في كثير من الوسائل التي استخدماها لتحصيل الديون وتنظيم الإدارة، فلم يكن لهما هم غير إقناع الدول بقدرتهما على تحصيل الأقساط في مواعيدها، فعمدا إلى وسائل العنف والإكراه في جمع الضرائب، وعينا في الدواوين المحلية مئات من الموظفين الأجانب بعضهم لازم للعمل وأكثرهم عالة عليه يحلون في الوظائف محل المصريين. ولم يباليا بتأخير صرف المرتبات لإتمام الأقساط في مواعيدها، وأشارا بنقص عدد الجيش وفصل عدد كبير من الضباط. فلم يجد الخديو صعوبة في تبغيض هذا «النظام الجديد» إلى الأمة، وكان ضباط الجيش في طليعة الثائرين على الوزيرين وعلى رئيس الوزارة. وقد كان المعتقد أن الوزارة «الأوروبية» كما كانت تسمى يومئذ، ستؤدي المرتبات المتأخرة من قرض روتشيلد، وهو القرض الذي عقد برهن مزارع الخديو والأسرة الخديوية، وتبلغ أكثر من أربعمائة ألف فدان، فعقد القرض وظلت المرتبات متأخرة. وتفنن الوزيران في ابتداع الوسائل لتحصيل الضرائب، فكان من مقترحاتهما في هذا الباب فرض ضريبة تسمى ضريبة بدل السخرة يؤديها من يريد إعفاءه من العمل بغير أجر في الترع والجسور وفتح الطرق وما إليها، ولم تأت سنة 1879 حتى كانت القاهرة تموج بأصحاب المظالم وطلاب الإصلاح، وحان موعد القسط من تلك السنة، فسول سوء السياسة للوزيرين أن يتمما المبلغ المطلوب من مرتبات ضباط الجيش وأشارا على الوزارة «باستيداع» ألفين وخمسمائة ضابط تخلصا من مرتباتهم القديمة ونصف مرتباتهم الجديدة في وقت واحد. فاحتشد هؤلاء الضباط وغيرهم عند ديوان المالية وأخذوا يصيحون بطلب عزل الوزارة وخرج نوبار وويلسون وهم محتشدون فهجموا عليهما وأهانوهما واعتقلوهما في الديوان. وبادر الخديو إلى مكان الحادث ومعه فرقة من الحرس، ولم يتفرق المحتشدون إلا بعد أن صدر الأمر بإطلاق النار، فأطلقها أمير الحرس في الهواء.
ورأى الخديو أن الوقت ملائم لاسترداد سلطته فأبلغ الدول أنه لا يعتبر نفسه مسئولا عن هذا الحادث وأمثاله ما لم تكن في يديه السلطة الضرورية لتنفيذ أوامره. واضطر نوبار إلى الاستقالة فخلفه الخديو في رئاسة مجلس الوزراء. ولكن وكيل الحكومة الإنجليزية في مصر أبلغ الخديو أن هذا التصرف مخالف للعهد الذي أخذه على نفسه بمشورة الدول عند تأليف مجلس الوزراء المسئول. واهتدى الطرفان إلى اتفاق «وسط»، يحل ولي العهد «توفيق باشا» محل الخديو نفسه في رئاسة المجلس ويخول الوزيرين وقف كل أمر لا يقرانه، ويوجب على الخديو أن يطلع الدولتين - إنجلترا وفرنسا - على أسماء وزرائه قبل تعيينهم، وكان هذا الشرط الأخير «مفهوما» غير مكتوب. •••
هذه الحركة تعد في رأي المؤرخين مبدأ الثورة العرابية؛ لأن مطالب العسكريين بعدها لم تنقطع في شئونهم التي تخصهم أو في الشئون القديمة العامة، وفي مقدمتها إعلان الدستور ورد الأمر كله إلى الأمة تتولاه في مجالسها النيابية.
ومن عجائب المقادير أن زعيم الثورة العرابية لم يساهم في هذه الحركة بنفسه ولا بأحد من فرقته؛ لأنهم كانوا جميعا في رشيد وحضروا إلى القاهرة في اليوم السابق لوقوع الحادث واشتغلوا نهارهم بتسليم الأسلحة والذخائر إلى مخازن الوزارة، ولكن حزب الضباط الشراكسة في الجيش أراد أن يلصق بهم «تهمة» المؤامرة فوضعهم من حيث لا يدري على رأس الحركة ووجه إليهم أنظار الثائرين والمسالمين.
وربما صح أن يقال أن سنة 1879 هي السنة التي أطبقت فيها إرادة المصريين جميعا على إقامة الحياة النيابية، ولم تكن مصر قد عرفت منها قبل ذلك غير المجالس الشورية التي كانت تدعى في عهد «محمد علي الكبير» للاقتراح والمشورة، وقد أعادها إسماعيل باسم مجلس شورى النواب، وافتتح هذا المجلس في التاسع عشر من شهر نوفمبر سنة 1866، واختار أعضاءه من الوجهاء ورؤساء العشائر بغير انتخاب، ولكن الأعضاء المختارين كانوا في الواقع ممثلي الأمة الذين تختارهم برضاها لو وكل إليها أمر انتخابهم؛ لأنهم كانوا بمثابة قادة المجتمع في كل إقليم.
अज्ञात पृष्ठ