فرد علي السلام، ووقفت أنظر إليهما، فقالت: يا حضري ما حاجتك؟ قلت: الاستكثار مما أسمع منك والاستمتاع من حسن هذا الغلام، فتبسمت المرأة وقالت: يا حضري إن شئت أن أسوق إليك من خبره ما هو أحسن من منظره، قلت: هات، قالت: حملته تسعة أشهر حملا خفيفا خفيا والعيش كدر والرزق عسر، حتى إذا شاء الله أن أضعه وضعته خلقا سويا، فوربك ما هو إلا أن صار ثالث أبويه حتى رزق الله فأفضل، وأعطى فأجزل، ثم أرضعته حولين كاملين حتى إذا استتم الرضاعة نقلته من خرق المهد إلى فراش أبويه فربي بينهما كأنه شبل أبواه يقيانه برد الشتاء وحر الهجير، حتى إذا تمت له خمس سنين أسلمته إلى المؤدب فحفظ القرآن فتلاه، وعلمه الشعر فرواه، ورغب في مفاخر قومه وطلب مآثر آبائه وأجداده، فلما بلغ الحلم حملته على عتاق الخيل فتمرس وتفرس ولبس السلاح ومشى بين بيوت الحي وأصغى إلى صوت الصارخ وأنا عليه وجلة، أحرسه من العيون أن تصيبه، ومن الألسن أن تعيبه، إلى أن نزلنا منهلا من المناهل وشاء الله أن أصابته وعكة شغلته، فركب فتيان الحي لطلب ثأر لهم حتى لم يبق في الحي أحد غيره ونحن آمنون، فوربك ما هو إلا أن أدبر الليل وأسفر الصبح حتى طلعت علينا غرر الجياد ثوارا غير زوار، فما كان إلا هنيهة حتى حازوا الأموال من دون أهلها وهو
पृष्ठ 37