दरजात सिट
الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك
शैलियों
في مثل هذه الحالات، فإن مركزية الأفراد في الشبكة، أو أي مركزية من أي نوع، لن تخبرنا بالكثير أو بأي شيء على الإطلاق بشأن النتيجة؛ وذلك لأن «المركز لا يظهر إلا كنتيجة للحدث نفسه». لهذه العبارة تبعات مهولة فيما يخص فهمنا للشبكات. في عدد وافر من النظم، من الاقتصاد إلى الأحياء، لا تنبع الأحداث من أي مركز موجود من قبل، بل من التفاعلات بين الأنداد، فلتتذكر آخر مرة كنت فيها وسط جمهور كبير بإحدى الحفلات الموسيقية، ووسط التهليل الفوضوي بدأ الجمهور بأكمله في التصفيق بإيقاع واحد معا، هل فكرت من قبل كيف يتمكن الجميع من الاتفاق على إيقاع واحد؟ ففي نهاية الأمر، يصفق الكثير من الناس طبيعيا بإيقاعات مختلفة، ولا يبدءون جميعا في اللحظة ذاتها بالضبط. فمن الذي يختار لحظة التصفيق؟ في بعض الأحيان يكون الأمر سهلا؛ تتوقف الموسيقى، ويصفق الجميع مع إيقاع الطبلة الجهير، أو يبدأ المغني الرئيسي تصفيقا بطيئا من فوق المسرح ليحث الجمهور على البدء في التصفيق، لكن عادة لا توجد مثل هذه الإشارة المركزية، وفي هذه الحالات لا يلتقط أحد أي إشارة على الإطلاق.
ما يحدث هو أنه عندما يقترب الجمهور من المزامنة، يمكن أن يبدأ بعض الناس، بالمصادفة العشوائية، في التصفيق معا، وهم لا يفعلون ذلك على نحو متعمد ومنعزل، ويمكن أن يستمر ذلك بضع لحظات فحسب، لكنها تكون كافية؛ فنظرا لأن هؤلاء الأفراد يتكتلون معا، يكون صوت تصفيقهم أعلى مؤقتا من أي شخص آخر على مرمى السمع، ومن ثم تزيد احتمالية جذبهم آخرين للمزامنة معهم مقارنة باحتمالية حيادهم بعيدا عن المزامنة، ومن ثم ينضم آخرون إليهم على الأرجح، ومن ثم يعززون إشارتهم ويجذبون آخرين إليهم أيضا، وفي غضون ثوان يصبحون المركز الذي ينتظم حوله الجمهور بأكمله. لكن إذا سأل مراقب من الخارج: من بدءوا تلك المزامنة كيف فعلوا ذلك؟ فالاحتمال الأقوى هو أن يندهشوا مثل أي شخص آخر لاكتشافهم وضعهم الخاص هذا. علاوة على ذلك، إذا كرر ذلك المراقب التجربة مع الأفراد أنفسهم في الاستاد، فسيكتشف أن الجمهور سيتآزر حول مركز اعتباطي مختلف آخر.
يمكن أن ينطبق ذلك إلى حد بعيد على العمليات الاجتماعية الأكثر تعقيدا؛ كالثورات، ففي النهاية، لم تأت الإطاحة بالرئيس الصربي الديكتاتور، سلوبودان ميلوسيفيتش، على يد قائد سياسي آخر، أو حتى جيشه، لكن تمثلت القوة الدافعة لسقوطه في حركة طلابية مجهولة ضعيفة التنظيم عرفت باسم أوتبور (وهي كلمة صربية تعني المقاومة)، ولم تحظ هذه الحركة بقيادة مركزية متماسكة إلا بعد نجاحها في حشد دعم شعبي. إن أي تحليل تقليدي للشبكات الاجتماعية لتلك الحركة الطلابية من شأنه ملاحظة أصحاب الأدوار الرئيسية في الحركة، وتتبع ارتباطهم بعضهم ببعض، وبتابعيهم، وبالمنظمات الخارجية أيضا، ومحاولة تحديد الآليات التي أصبحوا من خلالها العناصر التنظيمية المركزية، لكن كما سنرى في الفصل
الثامن ، عندما يتعلق الأمر بالعمل الاجتماعي المنسق واسع النطاق، لا يكون تدارس الحدث بعد وقوعه سليما تماما، بل يمكن أن يكون في الواقع مضللا للغاية، فبدلا من أن يرسم القادة الأحداث، يمكن أن يحدث العكس تماما؛ فيحدد تسلسل الأحداث وتفاصيل توقيتها من يظهرون كقادة. وفي ظل السخط الذي جاش بصربيا في صيف عام 2000، لم يتطلب الأمر سوى بضعة أحداث بسيطة وعشوائية تماما لتثور الحركة الطلابية والشعب. عمل الكثير من الأفراد على الإطاحة بميلوسيفيتش، لكن بعضهم وحسب هم من صاروا قادة، وليس بالضرورة أن يكون سبب ذلك أنهم كانوا أكثر تميزا من الآخرين، أو كانوا يتمتعون بوضع متميز للغاية، لكن تتابع أحداث الثورة نفسها هو الذي حدد مركزها، كما هو الحال بالضبط في حالة الجمهور المصفق أو المكون الكبير في الرسم البياني العشوائي لإيردوس وريني.
كيف ينشأ إذن النشاط العام المترابط من التفاعلات بين الأنداد، دون وجود أي رقابة أو سلطة مركزية؟ تعد بنية الشبكة - كما سنرى في الصفحات التالية - أمرا محوريا في هذا الشأن، وكذلك الديناميكيات. على الرغم من استخدامنا السابق لمصطلح الديناميكيات، فهو في الحقيقة يحمل معنيين يلزم التمييز بينهما، لأن كلا منهما تمخض عنه فرع كامل لعلم الشبكات الحديث؛ المعنى الأول، الذي سيطغى على مناقشتنا في الفصلين
الثالث
و
الرابع ، هو ما يمكن أن نطلق عليه «ديناميكيات الشبكة»، ووفقا لهذا المعنى، تشير الديناميكيات إلى البنية المتطورة للشبكة نفسها؛ أي عملية تكون روابط الشبكة وتفككها. على سبيل المثال، نقابل على مدار الزمان أصدقاء جددا ونفقد اتصالنا بأصدقاء قدامى، ومن ثم تتغير شبكاتنا الشخصية، وأيضا البنية العامة للشبكة الاجتماعية التي ننتمي إليها. يمكن النظر إلى البنى الثابتة لتحليل الشبكات التقليدي كلقطات فوتوغرافية التقطت أثناء عملية التطور المتواصلة هذه، لكن عند النظر إلى الشبكات من الناحية الديناميكية، يمكن القول إن البنية القائمة لا يمكن فهمها جيدا إلا من واقع طبيعة العمليات التي أدت إلى ظهورها.
أما المعنى الثاني، الذي سيشغلنا على مدار الفصول من الخامس إلى التاسع، فهو ما يمكن أن نطلق عليه «الديناميكيات القائمة على الشبكة». من هذا المنظور، يمكننا تخيل الشبكة كركيزة ثابتة تربط مجموعة من الأفراد، ويتشابه ذلك مع النظرة التقليدية للشبكات. لكن الأفراد يفعلون أمرا ما الآن - يبحثون عن معلومات، أو ينشرون شائعة، أو يتخذون قرارات - تتأثر نتيجته بما يفعله جيرانهم، ومن ثم ببنية الشبكة. هذه هي الديناميكيات بالضبط التي كنت أفكر فيها مع ستيف ستروجاتس عندما غيرنا مشروعنا عن صراصير الليل منذ عدة أعوام، والتي لا تزال تسيطر على تفكيرنا بشأن العمليات الاجتماعية بصفة دائمة.
يحدث كلا نوعي الديناميكيات طوال الوقت على أرض الواقع، وعلى الفاعلين الاجتماعيين - بدءا من الثوار وصولا إلى المديرين التنفيذيين - الاختيار مرارا وتكرارا، ليس فقط فيما يتعلق بكيفية استجابتهم للأحداث حسب إدراكهم لها، بل أيضا فيما يتعلق بمن يرتبطون به. إذا كان سلوك أحد أصدقائك لا يروق لك، يمكنك أن تحاول تغيير سلوكه أو تقضي وقتك مع شخص آخر. يمكن أن تتغير «بنية الشبكة» استجابة لسيناريو واحد، لكن يمكن أيضا أن تتغير التفاعلات التي تجري «على الشبكة». بالإضافة إلى ذلك، يساعد كل قرار - أي كل صورة من صور الديناميكيات - في إرساء السياق الذي يجب صنع القرارات التالية في إطاره. تؤثر سعادتك على شبكتك، وتؤثر شبكتك على سعادتك. إنه أمر معقد، ومن ثم، لتحقيق بعض التقدم، نحتاج أولا إلى فهم كل نوع من الديناميكيات على حدة، ولحسن الحظ، لدينا ركائز قوية نستند إليها في معالجة هذه المهام. (4) الابتعاد عن العشوائية
अज्ञात पृष्ठ