وأما كون ماله حقيقة أو صفة أو قدر يكون بمجرد ذلك مماثلًا لما له حقيقة أو صفة أو قدر فهذا باطل عقلًا وسمعًا، فليس في لغة العرب ولا غيرهم إطلاق لفظ المثل على مثل هذا، وإلا فليلزم أن يكون كل موصوف مماثلًا لكل موصوف، وكل ما له حقيقة مماثلًا لكل ما له حقيقة، وكل ما له قدر مماثلًا لكل ما له قدر، وذلك يستلزم أن يكون كل موجود مماثلًا لكل موجود.
وهذا - مع أنه في غاية الفساد والتناقض - لا يقوله عاقل، فإنه يستلزم التماثل في جميع الأشياء، فلا يبقى شيئان مختلفان غير متماثلين قط، وحينئذ فيلزم أن يكون الرب مماثلًا لكل شيء، فلا يجوز نفي مماثلة شيء من الأشياء عنه، وذلك مناقض للسمع والعقل، فصار حقيقة قولهم في نفي التماثل عنه يستلزم ثبوت مماثلة كل شيء له، فهم متناقضون مخالفون للشرع والعقل.
الرابع
الجواب الرابع: أن يقال فهب أن بعض هذه النصوص قد يفهم منها مقدمة واحدة من مقدمات دليلكم، فتلك كافية بالضرورة عند العقلاء، بل لا بد من ضم مقدمة أو مقدمات أخر ليس في القرآن ما يدل عليها ألبته، فإذا قدر أن الأفول هو الحركة، فمن أين في القرآن ما يدل دلالة ظاهرة علي أن كل متحرك محدث أو ممكن؟ وأن الحركة لا تقوم إلا بحادث أو ممكن؟ وأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها؟ وأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث؟ وأين في القرآن امتناع حوادث لا أول لها؟
بل أين في القرآن أن الجسم الاصطلاحي مركب من الجواهر الفردة التي لا تقبل الانقسام، أو من المادة والصورة، وأن كل جسم فهو منقسم ليس بواحد؟