दमीर: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
لا يمكنني أن أنسى هذا الأمر. أهبط الدرج بعد أن أنفخ في الصافرة وأقرع على الزنازين بعصا فأجد «سائق سيارة الأجرة» مكبل اليدين للخلف ومقيدا في نافذته عاريا، بينما وضع لباسه الداخلي على رأسه ووجهه. كان يبدو كالمسيح، وكنت في بداية الأمر أضحك ثم ذهبت لإحضار آلة التصوير والتقطت له صورة. ثم أخذ أحد زملائي عصاي وبدأ في «لكز» عضوه التناسلي بها. وفكرت مرة أخرى في أن ذلك يبدو طريفا، ثم صدمني الأمر: إنها صورة من التحرش. يجب ألا أفعل ذلك. فالتقطت المزيد من الصور تلك المرة من أجل «تسجيل» ما يحدث.
يبدو أن شيئا من التأديب الذاتي وقع هنا، حيث تتكرر ردود أفعالها الأولية المرحة ثم تتحول إلى أنواع أخرى من التصرفات. وهي تؤجل المسئولية أو تتخلى عنها عند حملها آلة التصوير والتقاط الصور. وفي حقيقة الأمر تعد صورتها الأولى أحد الدلائل على الابتهاج «الوحشي» بالنصر الذي تصفه سونتاج في كتابها الذي يحمل عنوان «عن التصوير الفوتوغرافي» (1977): «كنت في بداية الأمر أضحك ثم ذهبت لإحضار آلة التصوير والتقطت له صورة.» لكن دافعها بعد التفكير هو التقاط الصور «من أجل «تسجيل» ما يحدث». لكن هذا لا يمكن وصفه بأنه خطة لاستثارة الضمير في الآخرين. وهي تقول في موضع آخر: «كنت أرغب فحسب في توثيق كل ما أراه.» وفي موضع ثالث: «إذا جئتك وقلت لك «هذا ما يحدث» فلن تصدقني على الأرجح ... لكن إذا قلت «هذا ماذا يحدث، وانظر لدي الدليل» فلا أعتقد أن بوسعك الإنكار.» والفكرة المتعلقة بهذا النوع من التوثيق أنه لا يحقق سوى نصف المرجو من هذه الاستجابة المبنية على الضمير؛ فهو لا يسمح باتخاذ أي إجراء إضافي، بل إنه يتطلب عدم اتخاذ أي إجراء، وكان الدافع لديها «مجرد عرض ما يحدث وما يسمح بفعله».
ونجد في عبارتها «ما يسمح بفعله» تلميحا عن المشكلة الكبرى المتمثلة في الأزمة الأخلاقية التي انتهت إليها تلك الأحداث: إهمال كبار المسئولين وغياب المجتمع الرادع - بل الأسوأ من ذلك اشتراك المجتمع في الجريمة. ومع ذلك فإلى جانب المستويات الواضحة لندم هارمان المغرض ومحاولتها التهرب ملقية اللوم على أطراف أخرى، يمكننا تمييز محاولتها المتأخرة لالتماس موقف أخلاقي. ويقدم لنا الموقف مشهدا مزدحما موحيا تتدافع فيه النزعة نحو التوثيق المرئي مع الابتهاج بالنصر والمرح في غير موضعه، والنزعة الاستعراضية على الفيس بوك والسياحة والمذهب الحسي والتحرش الجنسي والسادية ومجموعة من الدوافع والمثيرات الأخرى. وبمعنى آخر، يصعب الفصل بين الدافع لتوثيق الضمير وبين مجموعة من الحوافز الأخرى للتصويرات «المرئية». ومع ذلك يبدو أن التقاط الصور قد ساهم في تشكيل العقل الأخلاقي على الأقل بعض الشيء، حتى عندما بدأ نوعا من التسلية.
يمكننا رؤية نفس تتابع الأحداث في حالة جو داربي الذي قام بالإبلاغ عما حدث من انتهاكات في سجن أبو غريب، حيث مر داربي أيضا بتجربة مماثلة بدأت بإحساسه بالبهجة عند مشاهدة الصور، ثم بشعور من الاضطراب غير المألوف، وبلغ الأمر ذروته في لحظة أخلاقية («لا يبدو هذا الأمر مقبولا بالنسبة لي») ثم اتخذ قرارا بتسليم الصور إلى السلطات التي قد توجد في ذلك الموقع الجهنمي:
كنت أتصفح الصور مراجعا تلك التي التقطها زميلي في مدينة الحلة حيث كنا نقيم قبل أبو غريب عندما ظهرت تلك الصور الأخرى فجأة. وكي أكون صادقا، ظننت في بادئ الأمر أنها صور شديدة الطرافة. أنا آسف، يمكن أن يغضب مني الناس إذا أرادوا، لكني لست فتى كشافة، فبالنسبة لي كانت رؤية ذلك الهرم من العراقيين العراة لأول وهلة أمرا طريفا للغاية، وعندما ظهر فجأة هكذا ضحكت قائلا: «يا للهول! إنني أنظر إلى هرم من المؤخرات!» لكن بعض الصور الأخرى لم تكن مقبولة بالنسبة لي، وهي الصور التي يظهر فيها السجناء وهم يتعرضون للضرب أو التي يبدو فيها رجل عراقي عاريا يجثو على ركبتيه أمام رجل عراقي عار آخر، وبعض الصور الجنسية الأكثر إباحية لإذلال السجناء - لم يكن هذا مقبولا بالنسبة لي. ولم أستطع التوقف عن التفكير في هذا الأمر، وبعد حوالي ثلاثة أيام اتخذت قرارا بتسليم الصور.
قد ينشأ وصفه للصور بأنها «غير مقبولة» وإظهار تدخله الإصلاحي من دافع آخر بخلاف قوانين «الضمير»، وهو التزام البطل الأمريكي ب «قانونه» أو شعوره بما إذا كان شيء ما لائقا أم لا. وشخصيات مثل ناتي بامبو بطل روايات كوبر وهاكلبري فين - بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الغربيين المنعزلين مثل شخصيتي شين وويليام ماني في فيلم «غير المغفور له» - تعود في نهاية الأمر إلى كتاب القواعد غير المدونة والمواثيق التي يجب ألا تخالف، ويمكننا رؤية تفسير داربي الموجز نسبيا لصنيعه في ضوء ذلك. ومع ذلك فصنيعه يحمل علامات الضمير، وخاصة الضمير المستثار عن طريق صورة تقدم دليلا دامغا على حدوث سلوك غير مقبول. ولا يستخدم داربي نفسه كلمة «الضمير» كي يصف تجربته، لكن المحاور والمؤلف ويل إس هيلتون يفعل، فقد استعان بها في عنوان مقاله «سجين الضمير».
ثمة شيء في الصور «لم يكن مقبولا»، وكان بمثابة وخزة أو وسيلة للحث على فعل لم يكن داربي يفكر فيه في بادئ الأمر لكنه قام به في النهاية. وكأن شيئا في عملية التسجيل يجسد الأحداث؛ ومن ثم فقد أتاح لهارمان أن ترى معاملة السجناء بهذا الشكل صورة من صور «التحرش». لكن أين منظور الضمير أو صوته من كل ذلك؟ لقد قلت إنه سوف يكتم، وحدث ذلك بالفعل، لكنه قد يكون بالكاد مسموعا في تعليقها عن «التحرش» - وهو مصطلح نقدي يبدو أنها لم تكن أول من استخدمه، ربما علق في ذهنها من دورة تدريبية سابقة غير مكتملة، أو ذكره محامي الدفاع. ويسمع صوت الضمير خافتا أيضا في جملة هارمان المتكررة «يجب عدم فعل ذلك»، وهو صوت صادر من الخارج لكنه يسمع في الداخل، صوت الحظر المتأخر. وبالطبع فإن الظهور المتأخر لصوت الضمير ينطوي على تنازل أخلاقي ما، يذكرنا بشرائط تسجيل المكتب البيضاوي في عهد نيكسون التي اقترح فيها تدبير مكائد شريرة أثناء مناقشة بعض الأمور المتعلقة بفضيحة ووترجيت، ثم تذكر أن الاجتماع قيد التسجيل فأضاف على عجل: «لكن هذا سيكون خطأ». وعلى الرغم من ذلك، فقد يكون صوت الحظر المتأخر أفضل من لا شيء.
إذا استطعنا القول بأن صوت الضمير في أبو غريب كان مسموعا، فهو لم يكن مسموعا سوى على نحو خافت ومتأخر؛ مما أفضى إلى نتيجة ضعيفة. والفكرة بشأن الضمير مرتفع الصوت أو المعرفة المشتركة (con-scientia) - كما يوحي أصل الكلمة - أن الضمير ينطوي على معرفة مشتركة أو اتفاق بشأن الرأي الاجتماعي أو الكنائسي الذي يقنع الشخص المخطئ ويوبخه من أجل تعديل سلوكه. وكان هذا الأمر صحيحا بالنسبة للرومان والكنيسة في القرون الوسطى، وفي صورة معدلة بالنسبة لآدم سميث ومؤيدي مذهب المنفعة. إلا أن الصوت الذي تسمعه هارمان صوت وحيد منعزل، وهو لا يتحدث باسم أي جماعة مميزة على الإطلاق.
ترك موظفو أبو غريب ليعملوا في فراغ اجتماعي ثقافي مربك، شبيه بذلك الذي وصفه الروائي ويليام جولدنج في روايته «أمير الذباب» والتي يتدهور فيها حال مجموعة من التلاميذ الإنجليز في ظل غياب الرقابة الاجتماعية. وكانت النزعة التوثيقية منقوصة، وعلى أحسن تقدير كانت هدفا في حد ذاتها وليست مقدمة لفعل آخر، وكان اللجوء لوسائل الإعلام المطبوعة (عبر الحوارات الصحفية) بهدف التبرئة الذاتية أكثر منه للشهادة طبقا لما يمليه الضمير. وأخطر ما في الأمر أن الصوت القائل «لا يمكنك القيام بذلك» يحل «محل» الضمير، لكنه لم يعد يسمى «ضميرا» ويفتقر إلى السلطة الممنوحة للضمير في تعاليمه المتعددة. وهو لا يكفي أداة للمنع، ولم يعد يمثل «نداء» بأي معنى يمكن أن نتوقعه؛ حيث يوجه «نداء» الضمير - على الأقل في الحالة المثالية - إلى شخص فاعل من المحتمل أن يتصرف؛ أي شخص قد يقدم حقا على فعل شيء، بينما الأنشطة التي تمت في أبو غريب تحدث دون أي استجابة.
وبالطبع يعد سجن أبو غريب حالة محدودة، وهو أكثر مكان غير ملائم يمكن تخيله للاستماع إلى صوت الضمير أو البحث عن التوثيق طبقا لما يمليه الضمير أو عوامل تحفيز مكتوبة للضمير. وقد عدت من هذا البحث الموجز ببعض الاكتشافات، لكنها اكتشافات ضئيلة بالفعل. وثمة أمثلة أكثر تشجيعا يدوي فيها صوت الضمير على نحو أكثر تأكيدا في لحظات الأزمات الأخلاقية والقرارات المؤلمة. فقد ضحى لازانثا ويكراماتونج - وهو صحفي شجاع من سريلانكا - بحياته من أجل كشف الفساد، فكتب تقرير وداع كان شبيها بخطاب نعيه اختتمه قائلا: «ثمة نداء أسمى من المنصب الرفيع والشهرة والربح والأمن، وهو نداء الضمير.» وأوضح فريد دابليو ثيل الابن - العضو الجمهوري بمجلس ولاية نيويورك - مفسرا أسباب تصويته لصالح مشروع قانون متعثر يبيح زواج المثليين قائلا: «ثمة صوت ضعيف داخلك يخبرك متى فعلت شيئا صحيحا ومتى فعلت شيئا خاطئا ... وظل هذا الصوت الضعيف يزعجني.» وصرح سلمان تيسير حاكم إقليم البنجاب في باكستان في مقابلة تليفزيونية يوم الأول من يناير عام 2011 قائلا: «إن لم أؤيد ضميري، فمن سيفعل؟» وذلك قبل ثلاثة أيام من اغتياله. كذلك أوضح آن كاو عضو الكونجرس الجمهوري الوحيد الذي صوت لصالح مشروع قانون الرعاية الصحية الأمريكي الذي أثيرت حوله معركة - والذي هزم في الانتخابات التالية - قائلا: «كان علي أن أتخذ قرارا طبقا لما يمليه علي ضميري بناء على احتياجات أهالي دائرتي.» وثمة آخرون يتخذون يوميا قرارات صعبة من أجل الضمير، لكن صوت الضمير - كما حدث في أبو غريب - لا يسمع غالبا إلا خافتا مشتتا، وتخمد طاقته على التغيير وتتبدد وتضيع.
अज्ञात पृष्ठ