रक्त और न्याय
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
शैलियों
لكن الفصد لم يعالج الحمى لدى هذا الفتى تحديدا؛ لذا عاد الأطباء وكرروا العلاج. وعلى مدار شهرين، فصدت دماء الفتى عشرين مرة؛ لذا لم يكن غريبا أن الفتى عاثر الحظ قد وهنت قواه، وتبلد عقله، وضعفت ذاكرته، وثقل جسده، وكان النعاس يغالبه باستمرار؛ إذ كان ينام لمدة 12 ساعة كل ليلة، وكان إيقاظه في الصباح يتطلب جهدا كبيرا؛ حتى إنه كان ينام حتى وهو يتناول الإفطار. وكان هذا تناقضا كبيرا مع الروايات التي ذكرت أنه قبل الحمى كان يتمتع باللياقة البدنية والرشاقة.
كان استدعاء طبيب أمرا مكلفا، بل كان خطرا؛ إذ لم تعد المشكلات التي يعاني منها الشاب في هذه المرحلة نتيجة للمرض الأصلي بقدر ما كانت نتيجة العلاج الذي كان يتلقاه. من المحتمل جدا أن يكون السبب الأصلي للحمى قد انتهى خلال شهرين وأن إرهاق الفتى كان نتيجة معاناته من فقر الدم الناتج عن فصد الدم المفرط؛ فقد كان النزيف الشديد لعشرين مرة كافيا لجعل أي جسم في غاية الوهن.
وعندما وصل دوني، برزت احتمالية تحول الموقف من سيئ إلى أسوأ. فحص دوني المريض واستمع إلى قصته. وبعدما ناقش المشكلة مع إميري توصل كلاهما إلى أن جسم الفتى يحوي كمية قليلة جدا من الدم، وأن الكمية القليلة المتبقية قطعا كانت مليئة بكمية مركزة من الحمى. ومع نقص الدم من جسم يخف مستوى الحمى. هذا بخلاف أن قلة كمية الدم كانت تعني أن الحرارة الطبيعية في جسم المريض لم تكن كافية لقتل العوامل المسببة للحمى. وظنا أن الدم بدلا من أن يجري عبر الجسم كان في الأغلب يرقد في برك ساكنة داخل الأوعية الدموية، فلا يحمل ما لديه من القوة المانحة للحياة إلى الأعصاب والعضلات.
وكانت هناك طريقة واحدة للتأكد من صحة نظريتهما، وهي فتح أحد أوردة الشاب ورؤية ما يخرج منها. ومرة أخرى خسر الشاب بعضا من دمه الثمين. وباستخدام أدوات فصد الدم الشائعة، فتح دوني وإميري أحد الأوردة ورأيا كمية صغيرة من الدم تخرج منه، وكان الدم داكن اللون كثيفا لدرجة أنه لم يكد يخرج من الوريد، لقد كان الشاب في حالة سيئة بلا شك.
كان الحل واضحا لهما، لكنه كان حلا ثوريا في رأي المراقبين. كان الحل إعطاءه مزيدا من الدم. هنا كان الوقت قد حان لإرسال شخص للبحث عن متبرع وبدت الخراف حلا جيدا كغيرها من الحيوانات الأخرى.
كان الانتقال من مجرد التصور - عبر التجارب الأولية على الحيوانات - إلى أولى التجارب على البشر سريعا للغاية. وليس هذا بالشيء المسموح به حاليا، حيث توجد الضمانات التنظيمية واللجان الأخلاقية من أجل حماية المرضى من تصرفات الممارسين ذوي الحماس الشديد؛ إذ ربما توافق إحدى اللجان الأخلاقية في الغرب لعالم أن يجرب فكرة على حيوان وهي تعلم أن الحيوان لن ينجو من التجربة، لكنها تصر على ألا تجرى أية تجارب على إنسان إلا إذا توافر دليل قوي على أن الشخص سيستفيد من الإجراء. ويقودنا هذا إلى التفريق بين العلماء الذين يجرون «التجارب» على الحيوانات، والأطباء الذين يجرون «الاختبارات» على البشر. والآن يمثل إعلان هلسنكي لعام 1964 أساسا للطريقة التي ينبغي أن يتواصل بها الأطباء والمرضى ، مع الإصرار على أن مصلحة المريض هي الهدف الأساسي لأي علاج. ففي البحوث الطبية ، ينبغي أن تسبق سلامة الإنسان الذي يخضع للاختبار اهتمامات العلم أو المجتمع. ويبدو أن دوني تصرف بنزاهة ملحوظة في هذا السياق، حتى بمقاييس القرن الحادي والعشرين. ولم يكن من المعتاد أن تكون صحة المرضى وسلامتهم هي الشاغل الأساسي للأطباء.
أصبح كل شيء جاهزا في الخامسة صباحا. فتح دوني أحد الأوردة في ذراع الشاب وأخرج ثلاث أوقيات من الدم. فقد أراد أن يخرج بعض الدم ليتأكد من وجود مجال لدخول الدم الجديد؛ إذ لم يكن دوني يعارض المنطق السائد القائل بأن زيادة الدم خطر. ثم انتقلا إلى الحمل، فعندها كان دوني وإميري قد أدخلا أنبوبا رفيعا إلى الشريان السباتي للحمل، وهو ذلك الشريان الموجود في الرقبة الذي يحمل الدم من القلب إلى الدماغ. يتمتع هذا الشريان بعدة مميزات تتجسد في أنه يسهل نسبيا تحديد موضعه في جانب الرقبة، وما إن عثرا عليه، كان لديهما وعاء دموي يمتد بطول 10 سنتيمترات يمكن كشفه بسهولة.
وسرعان ما أدخل إميري أنبوبا في وريد الشاب ووصلها بالأنبوب المتصل بالحمل. وانتظرا كلاهما وظلا يحسبان الوقت. فقد كان هدفهما أن ينقلا إلى الشاب ثلاثة أضعاف ما أخرجوه من دمه. وكان هذا سيعوض الخسارة، ويخفف تركيز الحمى، ويوفر كمية كافية من الدم لاستعادة الحرارة الضرورية. وعندما شعرا بأن عملية النقل قد انتهت سحبا الأنبوبين، ومنعا نزف الدم عن طريق عقد رباط صغير بإحكام حول الجرح الموجود في ذراع المريض.
بعدها لم يكن أمامهما سوى الانتظار والمشاهدة. وأمطر دوني المريض بالأسئلة، واكتشف أنه شعر بحرارة شديدة في ذراعه في أثناء العملية. وبخلاف ذلك، لم يكن هناك كثير ليعرف على مستوى النتائج الفورية. لكن الشاب ذكر أنه في المساء الذي سبق العملية كان قد سقط من فوق درج مكون من 10 درجات وأصيب في جنبه، إلا أن الألم قد اختفى منذ نقل الدم. وفتح هذا الباب أمام الاحتمال المثير للاهتمام المتمثل في أن فائدة نقل الدم قد لا تقتصر على علاج الحمى بل تتجاوزه إلى جميع أنواع الآلام والأوجاع الجسدية.
بحلول العاشرة صباحا، وبعد خمس ساعات فقط من العملية شعر الشاب بالبهجة وتساءل إن كان من الممكن أن ينهض. ولم ير دوني أي سبب لمنعه، وسر لما رأى المريض يقضي باقي يومه وهو يأكل ويشرب ويعيش حياة طبيعية تماما. وبعد الظهيرة، في حوالي الساعة الرابعة عصرا نزفت أنف الشاب قليلا، وظن دوني أنه نزف ثلاثة أو أربعة قطرات من الدم. شعر أن هذا غريب، لكنه شعر أيضا أنهما ربما أعطياه كمية من الدم زائدة قليلا وكانت النتيجة مثل أنبوب فاض في خزان للمياه.
अज्ञात पृष्ठ