रक्त और न्याय

कब्द रहमान मजदी d. 1450 AH
58

रक्त और न्याय

الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر

शैलियों

وفي عام 1664، تقدم لوور بأفكاره خطوة إلى الأمام بحقن نصفي لتر لبن في كلب؛ لكن الكلب مات في غضون ساعة. وعند فحصه عن كثب، اكتشف لوور أن العروق انسدت «بالدم المختلط باللبن وكأنهما تخثرا معا». وكان استنتاج لوور هو أن الاختلاف كبير بين الدم واللبن، وأنه يجب أن يستخدم سائلا أقرب شبها بخصائص الدم من أجل نجاح هذه التجربة.

لم يكن هناك سائل أشبه بالدم من الدم ذاته. إلا أن الدم ليس بالسائل الذي يسهل التعامل معه. فكل الفلاسفة والعلماء الذين عكفوا على دراسته اصطدموا بمسألة تغير طبيعته في غضون دقائق من استخراجه من الجسم؛ سواء أكان جسم إنسان أم جسم حيوان. في داخل الجسم يظل الدم سائلا، لكن بمجرد خروجه من الجسم يتحول إلى كتلة حمراء متجلطة وسط كمية من سائل بلون القش أو اللون الوردي الباهت.

وحسبما ذكر أبقراط، كان هذا دليلا واضحا على أن الدم حتما يفسد عند إخراجه من الجسم، واتفق معه معظم أطباء القرن السابع عشر، بل أضافوا أن هذا التلوث كان سببه فقدان الحرارة وفقدان الحياة؛ إذ إن إبقاء الدم دافئا باستخدام لهب شمعة أو شعلة نار صغيرة لم يمنع التجلط، فكان من الواضح أن جسم الحيوان الحي يمنح الحرارة الضرورية بنحو سحري؛ إنها حرارة القلب الغامضة.

ظل لوور منشغلا بعمليات التشريح والتجارب ودراسة الكيمياء معا، وفي عام 1665 - مع اجتياح الطاعون للندن وجنوبي إنجلترا - نشر كتابه الأول «أصل الحمى». وفيه ذكر اكتشافه المثير؛ وهو أن لون الدم يتغير عند مروره في الرئتين والقلب. بعدها انتقل إلى قضية مهمة أخرى طرحها هارفي؛ إذ كيف كان نوعا الدم - الدم الوريدي الأزرق والدم الشرياني الأحمر - هما الشيء ذاته؟

شكل 3-2: ريتشارد لوور (1631-1691) عالم التشريح. وهذه لوحة زيتية رسمها جيكوب هوسمانس. نسخ بتصريح من مكتبة الصور الطبية التابعة لمؤسسة ويلكوم تراست.

سيدهشك أن ترى كيف أن الظنون كانت توجه كثيرا الملاحظات. فمنذ نشر كتاب هارفي الشهير، اجتهد كثيرون في شرح دور القلب. ولم يزل معظم العلماء يؤمنون أن دوره الرئيسي هو إكساب الدم الحرارة وأن هذه الحرارة التي تحمل الحياة كان يعتقد أنها ستكون تفسير التغيرات التي تطرأ على طبيعة الدم. كان هذا الاعتقاد منطبعا في ذهن لوور وهو يفحص القفص الصدري في حيوانات مختلفة، محاولا فهم ما يجري بها. ولم تكن المهمة سهلة. فبداية، تتمدد الرئتان مع تكون فراغ جزئي بين الرئتين والغشاء الداخلي للقفص الصدري؛ غشاء الجنب. ويحدث ذلك مع كل نفس؛ حيث تنقبض العضلات بين الضلوع لتوسع القفص الصدري، وينقبض الغشاء العضلي المكون للحجاب الحاجز ويسحب نفسه للأسفل. وما إن شق لوور القفص الصدري، سمح للهواء بدخول تلك الفجوة وقضى على ذلك الفراغ، ومن ثم منع الرئتين من التمدد.

ومع عدم دخول الهواء إلى الرئتين، تنخفض قدرة الدم على التزود بالأكسجين؛ لذا لا يتغير لون الدم الذي يدخل إلى الرئتين عن الدم العائد إلى القلب كثيرا. وكثيرا ما يواجه العلماء هذا التحدي؛ إذ بمجرد أن يحاولوا قياس شيء، ينتهي بهم المطاف على نحو شبه دائم إلى إفساده. ولم يكن ذلك بالشيء السيئ إذا كانوا على علم بالمشكلة؛ إذ يمكن توفير البدائل لها. لكن لوور إذ لم يكن مدركا وظيفة الرئتين لم يكن في وضع يسمح له بحل المشكلة. فالحصول على قياسات صحيحة دائما ما يكون في غاية الصعوبة، ولم يتمكن لوور من إجراء التجربة على نحو صحيح إلا بعدما بدأ يستخدم منفاخا لضخ الهواء إلى الرئتين في أثناء التجارب.

أما المشكلة الأخرى التي كان على لوور - مثل غيره من علماء التشريح - أن يتجاوزها فهي أن الأعضاء في منطقة الصدر كانت متزاحمة، وكان الجزء العلوي من القلب متواريا خلف فصوص الرئتين. وتلك هي المنطقة التي يتصل فيها أربعة أوعية دموية كبيرة بالقلب. والأوعية الدموية في هذه النقطة قصيرة وقابلة للتمزق إذا جرى جذبها أو التعامل معها بخشونة. وواجه لوور صعوبة كبيرة في رؤية تلك الأوعية الدموية في حيوان على قيد الحياة رغم أنه كان على أتم الاستعداد لإجراء تشريح هو الأشنع للكلاب البائسة التي ساقها سوء حظها إليه.

لذا أجرى لوور التجربة دون أن يضع في اعتباره ملاحظة تغير لون الدم في أثناء مروره عبر الرئتين، وعليه لم يكن من المستغرب كثيرا أنه لم يلاحظه. وفي المقابل لم يلاحظ تغير لونه إلا بعد خروجه من البطين الأيسر للقلب. ويبين هذا أنه غالبا في ميدان العلم يمكن ألا ترى أوضح الأشياء إن لم تبحث عنها.

وفي ضوء ذلك، بدا أن ملاحظات لوور الدقيقة تقدم دليلا جديدا يدعم النظرية القائلة بدور القلب في تغير الدم من حالته الوريدية إلى حالته الشريانية، رغم أنها لم تفسر الطريقة العلمية لتغير اللون. وكتب لوور إلى بويل في 24 يونيو 1664 - وهو سعيد بهذا الاكتشاف - قائلا إنه كان ينوي معرفة «السبب في اختلاف لون الدم بين اللون الأحمر الوردي والقرمزي واللون القاتم الأميل إلى السواد». واستغرق الأمر عدة سنوات أخرى ليتمكن لوور من حل هذا اللغز.

अज्ञात पृष्ठ