فكنت إلى الله حبيبا مخبتا ، وكان سمت (1) الصالحين لك سمتا ، ومن والى الله من أوليائه لك وليا (2)، وما رضيه من الأشياء عندك رضيا (3)، ورأيت السوء حيث كان سوءا ، واتخذت عدو الله عدوا ، وكنت من خاصة الله وخلصانه ، وأهل العلم بالله وإيقانه ، وانفتحت لك بعد اليقين بالله أبواب العلوم ، وكنت في الأرض قيما من قومة الحي القيوم ، فقرت بالله عينك ، وتزيد بالله يقينك ، وانشرح بمعرفته صدرك ، و؟ ع؟ بأمره سبحانه أمرك ، فلم تهب ولم تخش غيره ، ولم ترج من الخير إلا خيره ، وعلمت أنه سبب الخيرات الأول ، وأن بيده الفضل الكبير الأطول ، فأمنت بإذن الله مسكنة الفقراء ، وامتلأت يداك من الغنائم الكبرى ، وكنت على ملوك الدنيا ملكا ، ونجوت بإذن الله من هلكة الهلكى.
ففي طلب اليقين بالله يا بني فادأب ، ومن رجوت عنده على اليقين بالله عونا فقارن (4) واصحب ، فإنهم ألفاء كل رحمة ، وقرناء كل حكمة ، لا يرغب لبيب إلا فيهم ، ولا تنزع نفس حكيم إلا إليهم ، فمن لم يكن منهم فأعرض عنه واتركه ، ومن كان منهم فاشدد به يديك (5) وامسكه ، فإنه بلغني أن حكيما من الحكماء ، قال لبعض من كان له علم كثير من القدماء : يا هذا لا ترين أنك علمت شيئا وإن علمت كل شيء ، ما لم تكن عالما بالله الأول الحي ، الذي هو سبب كل خير كان أو يكون ، والذي تعالى عن أن يلحق به حركة أو سكون. ثم قال : يا هذا إني كنت قبل أن أعرف الله أروى وأظمأ بالطباع ، ولما عرفت الله رويت بغير طباع.
نعم روي فشفي بالهدى!! من حر الغلة والصدى (6)! ولما صار إلى اليقين بالله تبارك وتعالى ، الذي هو سبب الخيرات الأول الأعلى ، غني بالله غنى الأبد ، وصار إلى
पृष्ठ 237