فقال البابا: وهل تركوا لأبيهم أن يدافع عن نفسه عندما قتلوه غيلة وغدرا؟!
ولكن ألح القوم، فأجابهم البابا أخيرا إلى ما طلبوه، وحدد للمجرمين ثلاثة أيام للدفاع.
وأسرع كبراء المحامين بروما إلى الدفاع عن آل سنسي، فأخذوا يجهزون مذكراتهم ويجمعون آراءهم حتى اليوم المحدد للمرافعة، فاجتمعوا أمام خليفة العرش البابوي، فاندفع أولهم، وهو نقولا ديزانج، فاستهل دفاعه بمقدمة كان لها أعظم تأثير في نفوس السامعين، ورأى البابا أنه مهتم بالمتهمين أكثر من التهمة، فخشي شر ذلك التأثير، والتفت إلى المحامي، فخاطبه بغضب قائلا: فليقتل إذن أولاد الأشراف آباءهم ليجدوا بين المحامين رجالا يدافعون عنهم، إنا ما كنا لنصدق هذا أو نتوهمه.
فسكت القوم لصوت البابا إلا فارنياتشي المحامي؛ إذ قام بين أيدي قداسته عالما بقدر مهمة الدفاع التي عهد إليه بها، فقال بثبات وأدب: أيها الأب العالي القداسة، إننا لم نأت هنا لندافع عن المجرمين، إنما أتينا لنخلص البريئين؛ لأننا لو توصلنا بما نبديه من أوجه الدفاع إلى أن نبرهن لقداستكم أن بعض المتهمين إنما فعل ما فعل وهو يدافع عن نفسه دفاعا شرعيا، فلا شك أن قداستكم تلتمس له العذر فيما أتاه، وكما نصت الشريعة على الأوجه التي تجيز للأب أن يقتل ولده فيها؛
1
فإن هناك من الأوجه ما تجيز للولد أن يقتل أباه، وبناء على ذلك فنحن لا نتكلم إلا إذا راق لقداستكم أن تسمعنا.
فصرح البابا للمحامي بالكلام، فاستمر فارنياتشي في مرافعته قائلا: إن صلة البنوة التي كانت تربط بياتريس بأبيها قد انفصمت مذ أكرهها أبوها على ما أتاه معها، واستدل على ذلك الإكراه بالعريضة التي رفعتها الفتاة إلى قداسة البابا ولم تصل إليه، وهي تشرح فيها ما تقاسيه من الذل والعذاب، وتطلب فيها من قداسته أن يخلصها من أبيها كما خلص أختها من قبل، ولكن ضاعت هذه الشكوى رغما عن البحث الدقيق عنها في سكرتارية البلاط البابوي.
وأمر البابا المحامين أن يتركوا لديه مذكراتهم وينصرفوا، ففعلوا إلا أحدهم التييري، حيث بقي بعد خروجهم، فجثا لدى البابا قائلا: أيها الأب العالي القداسة! لم أستطع أن أرد نفسي عن المثول بين يدي قداستكم مدافعا في هذه القضية لأني المحامي عن البؤساء والمساكين؛ ولذا أطلب من قداستكم السماح.
فقال له البابا وقد مد له يده يرفعه: نحن لا نعجب منك إن دافعت عنهم، لكننا نعجب من قوم يتعصبون لهم ويحمونهم.
وأراد البابا أن يتخلص من هذه القضية فلم ينم ليلته، وقضاها ساهرا مع أحد كرادلته المدعي سان مارسيليو في الاطلاع على أوراقها، وكان ذلك الكردينال من علماء القانون وذا ذكاء مفرط، فعمل عن القضية ملخصا سر المحامين، فأملوا من ورائه الإبقاء على حياة المتهمين؛ لأنه وضح في ذلك الملخص أن الأولاد وإن كانوا قتلوا أباهم إلا أن أباهم ساقهم إلى ارتكاب تلك الجريمة بسوء معاملته لهم وتعديه سلطته الشرعية عليهم، حتى إن إحداهم وهي بياتريس ارتكبت الجريمة مرغمة؛ لكثرة ما لاقت من ظلم أبيها وفجره.
अज्ञात पृष्ठ