فإذا كان كذلك ثم دعاهم إلى نفسه، والقيام لله بحقه، وجبت على الأمة طاعته، وحرمت عليهم معصيته، ووجبت عليهم الهجرة إليه، والمجاهدة بأموالهم وأنفسهم معه وبين يديه(1)، وكانت طاعته والهجرة إليه، والمجاهدة بأموالهم معه، والتجريد في أمره، وبذل الأموال والأنفس، والمبادرة إلى صحابته، والكينونة تحت كنفه؛ فرضا من الله على الخلق، لا يسعهم التخلف عنه ساعة، ولا التفريط في أمره فينة، إلا بعذر نافع(2) مبين عند الله سبحانه، من مرض أو عرج، أو عمى، أو فقر مدقع، عن اللحوق به مانع، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله}[التوبة: 41] فمن كان على واحدة من هذه الأربع الخصال، جاز له التخلف عند الواحد ذي الجلال، ومن لم يكن كذلك وجب عليه فرض المهاجرة والمقاتلة، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول نعذبه عذابا أليما}[الفتح: 17] ويقول سبحانه: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون}[التوبة: 92] فجعل الله لمن كان على مثل هذه الحال من الفقر؛ في تخلفه عن الجهاد مع المحق من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العذر، فأما من سلم من ذلك، ولم يكن في شيء من أحواله كذلك، ثم تخلف عنه، من بعد أن تبلغه دعوته، وتنتهي إليه رسالته، أو يقع إليه خبره؛ فهو غادر، في دين الله فاجر، ولرسوله معاند، وعن الحق والصراط المستقيم عاند، مشاق لله محارب، إلى النار عادل وعن الجنة مجانب، قد بآء من الله باللعنة، وجاهره بالمعصية، ووجب على الإمام إن حاربه حربه، وقتله وإهلاكه، وإن لم يحاربه، وتخلف عن نصرته، وجب عليه إبعاده وإقصاؤه، وإبطال شهادته، وإزاحة عدالته، وطرح اسمه من مقسم الفي، ووجب على المسلمين منابذته في العداوة والاستخفاف به، والاستهانة بكل أمره، لا يسعهم غيره، ولا يجوز لهم فيه سواه. ألا تسمع كيف يقول العزيز الكريم، فيما نزل على نبيه من القرآن العظيم؛ إذ يقول: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير}[التوبة: 38 39].
पृष्ठ 619