ثم إن الله جل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله حظر الجهاد، مع جميع من خلق من العباد؛ إلا من اصطفى وأتمن(1) على وحيه من عترة رسوله صلى الله عليه وعليهم، الذين هدى بهم الأمة من الضلالة والهلكة، لما في الجهاد من القتل والقتال، وسفك الدماء، وأخذ الأموال، وهتك الحريم، وغير ذلك من الأحكام، وذلك فلا يكون إلا بإمام (عادل) (2)مفترض الطاعة، وذلك لا يكون إلا من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، الذين اسنقذ الله بهم الأمة من شقاء الحفرة، وجمع بهم كلمتها، وألف بين قلوبها(3)، من بعد الافتراق والاختلاف، والتشاجر وقلة الائتلاف، فأصبحوا بنعمة الله على المحق مؤتلفين، ولما كانوا عليه من الكفر مجانبين، يعبدون الرحمن من بعد عبادة الأوثان، ويقرون بمحمد عليه السلام، داخلين في النور والإسلام، ناجين من عبادة الشيطان، تالين لآيات القرآن، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ويقرون بالربوبية للواحد الجبار.
قد اختار الله لهم منهم أئمة هادين، وجعلهم من ولد نبيه خاتم النبيين. وفي ذلك ما يقول: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة} [القصص: 68] من أهل النبوة، وموضع الرسالة، ومعدن الحكمة، وبيت النجاة والعصمة، الذين أمر الخلق باتباعهم، والكينونة معهم دون غيرهم، وذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}[التوبة: 119] وفيهم وفي آبائهم ما يقول سبحانه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}[المائدة: 55] فجعل الولاية لهم خاصة، وثبت الإمامة فيهم، وأنزل الوحي عليهم بذلك.
पृष्ठ 615