فأما من اتبع ما وصفنا من آل الرسول، فإنه عند الله تبارك وتعالى حق(1) مقبول، وهو عند الله تبارك وتعالى من المسلمين المؤمنين، العابدين الخاشعين، المؤدين لعظيم ما افترض الله عليهم، المفضلين على جميع المؤمنين، في التوراة والإنجيل والقرآن المبين، المهاجرين إلى الله، قد وقع أجرهم على الله، فكرم مآبهم لديه، وأدوا إليه الأمانة، فنجوا وسلموا من الخيانة، كما قال سبحانه: {والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلا يرضونه}[الحج: 58 59]. ومن صح منه هذا الفعل؛ فقد صحت له الولاية من رب العالمين، ومن الرسول والأئمة وجميع المؤمنين، وكان من الذين قال الله فيهم: {إخوانا على سرر متقابلين} [الحجر: 47] وكان من الآمنين للفزع الأكبر {وتتلقاهم الملائكة} كما قال أرحم الراحمين: {هذا يومكم الذي كنتم توعدون}[الأنبياء: 103] وكانوا من البائعين أنفسهم من ربهم، بما بذل لهم من الثمن الربيح، حين يقول سبحانه: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}[التوبة : 111] فيا لها تجارة ما أربحها، ويا لها دعوة ما أرفعها، دنيا يسيرة فانية، بآخرة (2) كثيرة باقية، وحياة أيام تزول؛ بحياة أيام أبدا لا تحول، والنكد والنصب، والشدة والتعب؛ بالراحة والسرور، والغبطة له في كل الأمور، فاز والله من بادر فاشترى الجنة بأيام من حياته، وخاب من تخلف عن مبايعة الله وسوف ويله وتمنى، وعلل نفسه وسهى(1) حتى نزلت به الداهية الدهياء، ونزل به الموت والفناء، وحصل في دار القيامة والجزاء، {ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا}[الكهف: 49].
فهذه صفات من تجب طاعته، وتحرم معصيته.
ومن خالف ما ذكرنا، وكان على غير ما شرحنا؛ من آل الرسول(2) صلى الله عليه وعلى آله، فنكث عليهم، وأساء في فعله إليهم، ومنعهم من حقهم الذي جعله الله لهم، واستأثر بفيهم، وأظهر الفساد والمنكر في ناديهم، وصير ما لهم دولة بين عدوهم يتقوى به عليهم، ولم(3) يقبضه منهم، ويقسمه على صغيرهم وكبيرهم، وكانت همته كنز الأموال، والاصطناع لفسقة الرجال، ولم يزوج أعزابهم، ولم يقض غراماتهم، ولم يكس الظهور العارية، ولم يشبع منهم البطون الجائعة، ولم ينف عنهم فقرا، ولم يصلح لهم من شأنهم أمرا؛ فليس يجب على الأمة طاعته، ولا تجب عليهم موالاته، ولا تحل لهم معاونته، ولا تجوز لهم نصرته، بل يحرم عليهم القيام معه ومكاتفته، ولا يسعهم الإقرار بحكمه، بل يكونون شركاه إن رضوا بذلك من أفعاله، ويكونون عند الله مذمومين، ولعذابه مستوجبين،. فنعوذ بالله من الرضى بقضاء الظالمين، ونعوذ به من الإعراض عن جهاد الفاسقين، الذي لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فإن من أعرض عن جهادهم فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، وبعد من حزب الرحمن، وصار من حزب الشيطان، {ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون}[المجادلة: 19].
पृष्ठ 625