दावा लिल फलसफा
دعوة للفلسفة: كتاب مفقود لأرسطو
शैलियों
وبجانب فروع العلم الأخرى يوجد علم بفضيلة النفس (أو كفاءتها وصلاحها ب32-37)، وامتلاك القدرة على التفكير وملكة العقل وفقا لمبدأ الغاية هو أسمى الخيرات التي يتاح للإنسان امتلاكها، ومن ذا الذي يمكنه أن يجسد لنا المعيار الدقيق للخير والدليل الهادي إليه غير البصير الحكيم؟ لا بد للإنسان من التمييز بين ما هو خير وما هو ضروري، وحتى لو ثبت له أن امتلاك الحكمة وملكة العقل والتفكير لا ينفعه في الحياة العملية (بل ربما جنى عليه في معظم الأحيان كما تؤكد لنا تجربة الحياة اليومية)، فإن هذا لا يمنع أن التفكير يحمل قيمته في ذاته، وأنه جدير بالاختيار والتفضيل في كل الأحوال (ب38-44)، ويرجع أرسطو في ختام هذا الجزء من كتابه إلى الحجة التي انطلق منها (ب11)، وهي غائية الطبيعة التي تميل بها إلى تحقيق الأقيم والأجمل والأرفع (ب45). (3)
ومع كل هذه المحاذير فإن النظر العقلي في أصول الأشياء ومبادئها أمر نافع للحياة العملية؛
6
فالسياسي يتحتم عليه كما سبق أن يلم ببعض المعالم والمعايير التي يستمدها من الطبيعة ومن الحقيقة، ويستعين بها في الحكم على ما هو عدل وحق وجمال (ب46-51)، غير أن معرفة المعايير لا تكفي، فواقعية أرسطو وخبرته بالعالم والناس تجعله يفلسف للعمل كما يفلسف للنظر؛ ولهذا يقول صراحة إن من الواجب تحويل المعايير إلى أفعال، وتجسيد النظر في ثوب العمل؛ فالفلسفة عنده تحصيل للحكمة وتطبيقها (ب52-53)، والنظر في حقيقته فعل لا مجرد تأمل، إنه معرفة منتجة للتحقيق والإنجاز، صحيح أن الإنسان الذي يوقف حياته على النظر ويهبها للفلسفة لا يتلقى من الناس أجرا ولا جزاء، ولكنها تستولي عليه ويجد سعادته الكبرى في الاشتغال بها والعكوف عليها (ب55-57). (4)
ويتساءل أرسطو: ما هي مهمة الفلسفة؟ ولماذا كان بلوغ الحكمة هو غايتنا القصوى؟ ويبدأ في الإجابة على هذا التساؤل بالحديث عن العلاقة بين الجسم والنفس، ففي داخل النفس يكون الأعلى هو الجزء الحائز على العقل وملكة التفكير، هذا الجزء الصغير (كما يصفه أفلاطون في الجمهورية 442ج) هو العقل (نوس)، وهو يعبر وحده أو في المقام الأول عن ذاتنا الحقيقية (ب59-62)، أما عن المهمة الأساسية للفكر فهي التوصل للحقيقة (ب63-66)، ونحن نسعى في طلبها عن طريق التأمل الفلسفي، ونبلغ أسمى درجة في هذا التأمل عندما نطلبها لذاتها (ب66-69)، ثم يستطرد أرسطو إلى الكلام عن العلاقة بين العلم والرأي؛ فالعلم والمعرفة الدقيقة أجدر بالاختيار من الرأي الصادق، وأجدر شيء بالاختيار عند الإنسان هو التبصر الفلسفي؛ ولهذا يسعى الناس جميعا في طلب المعرفة (كما تقول العبارة المشهورة في مقالة الألفا من كتاب الميتافيزيقيا 1، 980أ 21)، ويمتد هذا القسم من الكتاب من الفقرة (ب70) إلى الفقرة (ب77). (5)
والحياة العقلية بجانب هذا كله حياة غنية بالفرح، والعقلاء من الناس ينشدونها ويجدون في طلبها للاستمتاع بالأفراح الحقة والمسرات النبيلة (ب78-92)، وهنا يجد المعلم الأول فرصة مواتية للحديث عن فكرته الرئيسية المعروفة عن القوة والفعل، ويعرضها عرضا مبسطا يتقبله القارئ العادي، فيميز بين المستيقظ والنائم، بين المبصر بالفعل والقادر على الإبصار، بين العارف بالإمكان ومن يستخدم معرفته ويطبقها، لينتهي من ذلك إلى القول بإن الفعل أعلى قيمة من الانفعال، وإن أسمى أفعال النفس هو التفكير، وأعلى درجات التفكير هو التفلسف؛ ولهذا تكون الحياة الكاملة من نصيب أصحاب الفعل الخالص، أي من نصيب المتفلسفين، وهؤلاء هم الذين يبلغون الغاية؛ لأنهم هم الذين يقومون بالفعل الفلسفي - على أساس العلم المتناهي في الدقة لا على أي وجه كان! - ويجدون في طلب الحقيقة في حياة النظر والعمل على السواء. (ب79-86) ولما كانت هذه الفاعلية القصوى المطلقة من كل قيد هي التي توفر الفرح فمن الواضح أن المتفلسف هو الذي يحيا أكمل حياة ويتمتع بأعمق الأفراح.
عند هذه القمة من الدفاع البليغ عن الفلسفة تبرز قمة أخرى مضادة، إذ يقول أرسطو ما معناه: لكن الناس للأسف لا يدركون مصلحتهم ويجشمون أنفسهم الجهد والمشقة في سبيل أشياء عقيمة وعاطلة من كل قيمة (ب87-92). (6)
هكذا تكون الحياة الفاعلية على الوجه الصحيح - أي الحياة العقلية - هي الشرط اللازم لبلوغ السعادة، وهنا يهيب أرسطو بإجماع الناس على طلب السعادة ليؤكد من جديد أن التفلسف هو الحياة السعيدة الكاملة، أو هو على الأقل أنجح الوسائل المؤدية إليها (ب97-102). (7)
ويسوق أرسطو حجة بلاغية جديدة يبدأ بها نغمة سوداء لا تقارن بالنغمة السابقة المتألقة بالبهجة والفرح؛ فهو يوازن بين الحياة العاقلة وبين حياة الناس الذين يقصرون همهم على مجرد الحياة وبأي ثمن، وتفاجئنا نظرة النسر الحزين الذي يطل على وادي الأشباح، فالأشياء التي تبدو في أعين الناس عظيمة ليست في حقيقتها إلا ألعاب ظلال.
وتتصل خاتمة اللحن المكتئب فتقتبس من الحكماء والشعراء القدماء مؤكدة أن حياة البشر تكفير عن ذنب كبير جنيناه، لتبلغ في النهاية قلب القتامة نفسها وترسم لوحة لا تنسى عن المساجين الذي تقيد جثث الموتى بأجسادهم بحيث يواجه الوجه بالوجه، ويلتصق العضو بالعضو
अज्ञात पृष्ठ