ولعمر الحق إن هذا الشخص وأضرابه لا يفهمون للفلسفة معنى إذا كان هذا مبلغ إدراكهم ونهاية تصورهم ، على أن الفلسفة الصحيحة حرم منها معاهد التعليم الإسلامي بهذه الأرجاء والحال أنها من أجل الفنون التي توصل الإنسان إلى المدارك السامية والوقوف على الحقائق والأسرار الكونية ، إذ أمرنا الله بتدبرها والبحث عن منافعها ، لأن الإنسان لا يتوصل إلى شيء من ذلك بدون النظر الصحيح والبحث الصادق ، وإذا أمعن ذو الإدراك السامي النظر في الكتاب العزيز ، وما احتوى عليه من علوم الأولين والآخرين ، وجد من المعاني والآيات الجاذبة للفكر إلى اكتشاف غوامضها واستطلاع أسرارها والاهتداء إلى حكمتها ما يجعله مندهشا، وقد امتلك الإعجاب حسه وأخذ بتلابيبه من كل ما يبعث النفس إلى التنقيب على مكنوناتها وإبراز دررها والاستضاءة بأنوارها التي لايزال العالم في سنائها مجدا .
الكلام على الفلسفة الحقة
لا نعني بالفلسفة ما هو عبارة عن سوء العقيدة في الدين ومحاربته والإلحاد فيه- معاذ الله - كما يتوهمه الذين لا يفقهون، وإنما الفلسفة الصحيحة المطلوبة هي المعرفة بقول بعضهم: ( هي عبارة عن البحث عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر على قدر الاستطاعة البشرية ) وهي العلم النافع المعبر عنه بمعرفة النفس ما لها وما عليها المشار إليه بقوله تعالى : { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب } ( البقرة /269)
وعلى هذا يكون موضوع الفلسفة، هو الأشياء الظاهرة للعيان أو التي يمكن تصويرها في الأذهان، وتكون الغاية منها التشرف بالكمالات في العاجل، والفوز بالسعادة في الآجل ، وعلى هذا الشكل تتفق مع الدين ولا تنافيه.
पृष्ठ 14