उस्मान इब्न अफ्फान: खिलाफत और राज्य के बीच
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
शैलियों
حكومة عثمان
لم يكن من أثر التيارات الخفية التي كانت تمهد للثورة ولمقتل عثمان أن تقف من سير الفتح أو تضعف ما دفعه الدين الجديد والنظام الجديد إلى نفوس المسلمين من قوة، وإن أمكن القول: بأن المسلمين كانوا قادرين، لولا هذه التيارات، على أن يذهبوا إلى أبعد مما ذهبوا، وأن يفتحوا أكثر مما فتحوا.
لم يقتصر أثر هذه التيارات على الفتح يحد من خارق اندفاعه، بل امتد هذا الأثر إلى حياة الأمة العربية كلها، فوجه الكثير من شئونها توجيها هيمن على الإمبراطورية الإسلامية وعلى التاريخ الإسلامي كله من بعد؛ لذلك كانت دراسة هذه التيارات والعوامل جوهرية لإدراك التطور السياسي والمذهبي الذي وجه الحوادث من بعد توجيها لا يزال أثره بالغا إلى اليوم.
أول هذه العوامل ما سبقت الإشارة إليه من تنافس بين بني هاشم وبين بني أمية تنافسا يرجع عهده إلى مائة عام قبل النبي العربي. وقد استجن هذا التنافس بعد أن استقرت دعوة رسول الله فأقبل الناس من أرجاء شبه الجزيرة يدخلون في دين الله أفواجا. فلما اختار رسول الله جوار الرفيق الأعلى جالت بخاطر بني هاشم فكرة الخلافة على أنها ميراثهم عنه
صلى الله عليه وسلم ، ولكنها جالت بخاطرهم على استحياء، فلم تكن لها في حياة الدولة أثر في خلافة أبي بكر وعمر. فلما فتح المسلمون فارس والشام ومصر، ثم قتل عمر بن الخطاب، تجلى هذا التنافس وبرزت هذه العصبية في صورة جلوناها عند الحديث عن الشورى وبيعة عثمان. وقد اختلفت الروايات في موقف علي من هذه البيعة، لكنها جميعا تجمع على عدم اقتناع بني هاشم بها ونظرهم إليها نظرة أذكرتهم ما قاله عمر بن الخطاب لابن عباس: «إن الناس كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة، فإن قريشا اختارت لنفسها فأصابت.» وذلك قول علي بن أبي طالب بعد بيعة عثمان: «إن الناس تنظر إلى قريش، وقريش تنظر إلى بيتها فتقول: إن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبدا، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم.»
كان لبرم بني هاشم بإسناد الخلافة إلى رجل من بني أمية أثر عميق في حكومة عثمان. كذلك كان لبرم العرب من غير قريش بسلطان قريش مثل هذا الأثر. فقد ذهب الذين غادروا مكة والمدينة من المهاجرين والأنصار ومسلمة الفتح إلى الشام واستقروا به. وذهب من غادروا اليمن ونجد أو سائر قبائل العرب في الجنوب والشرق من شبه الجزيرة إلى العراق واستقروا به. وإذ كان الولاة في عهد الخلفاء الثلاثة الأولين من رجالات مكة والمدينة فقد بدأ غيرهم من العرب يتساءلون: ما فضل هؤلاء علينا وليس لهم أكثر مما لنا من أثر في الفتح وفي بناء الإمبراطورية؟ لقد سبقونا حقا إلى الإسلام، فإذا كان هذا السبق مسوغا أن كون الخلافة في قريش فلم يكون مسوغا لاستئثارهم بكل مناصب الدولة؟ فالإسلام لا يجعل لعربي فضلا على عجمي إلا بالتقوى. ما بالك والذين نزلوا البصرة والكوفة عرب كأهل الحجاز وكأهل مكة والمدينة سواء. إن هذا الاستئثار إنما يدفع إليه الحرص على سيادة طائفة من العرب على طائفة سيادة لا يقرها الإسلام ولا يرضاها صاحب الرسالة به. ألم يجعل رسول الله لزيد بن حارثة، وكان مولى اشترته خديجة أم المؤمنين وأعتقته، سبقا على كثير من قريش ومن المهاجرين والأنصار؟ فكيف يؤخر أهل نجد وغيرهم ممن كان لهم في الفتح فضل أي فضل ويقدم عليهم أهل مكة والمدينة؟ إن هذا لهو الظلم الذي لا يرضاه حر، وهو الاستعلاء تأباه النفس العربية التي ألفت المساواة والحرية قرونا طويلة قبل أن يزيدها الإسلام بالمساواة والحرية إيمانا!
وثمة عامل ثالث لم يكن أقل من هذين العاملين أثرا في توجيه سياسة الدولة الوجهة التي انتهت إلى الثورة وإلى مقتل عثمان. ذلك هو شعور الأعاجم وشعور اليهود والنصارى باستعلاء العرب عليهم وتحكمهم فيهم، ولم يكن للعرب قبل عشرين سنة من ذلك العهد أي سلطان. فإلى أن اختار رسول الله الرفيق الأعلى، وإلى أن قضى أبو بكر على الردة في شبه الجزيرة، كان الروم وكان الفرس ينظرون إلى أولئك العرب على أنهم دونهم مكانة في الحضارة وقدرا في المقام العالمي. فكيف بهم اليوم يرضون أن يسود العرب بلاد قيصر وبلاد كسرى؟ وكان هذا الشعور أشد وضوحا في فارس منه في الشام وفي مصر؛ لأن فارس كانت مستقلة وكانت تنافس الروم المتحكمين في الشام وفي مصر سيادة العالم. ترى أبلغ الضعف والتخاذل من الفرس فلم يبق لهم من التخلص من هؤلاء العرب رجاء؟!
وأهل الكتاب واليهود منهم خاصة، سواء منهم من أسلم نفاقا ومن لم يسلم، لم يكن أحد منهم يظن أن دينا جديدا سيجليهم عن مواطنهم في شبه الجزيرة. وها هم هؤلاء العرب قد أجلوهم عنها.
كان لهذه العوامل أثرها العميق في حياة الدولة الناشئة. وقد ظهر بعض هذا الأثر في عهد عمر وانتهى إلى مؤامرة الهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بقتله. لكن أحدا لم يفكر يومئذ في اجتثاث أسباب الفتنة من جذورها؛ لأن أحدا لم يظن أن هذه الأسباب يمكن أن تستفحل فتثير الحرب الأهلية بين العرب وأنفسهم، وتنتقل بهم من نظام الخلافة إلى نظام الملك، وتغير سير الحوادث تغييرا بالغ الأثر في حياة الإمبراطورية الإسلامية وفي حياة العالم كله؛ ولهذا انصرف تفكير عمر في عهده إلى معالجة ما يبدو من مظاهر هذه العوامل بما يقضي على أثرها الوقتي. ولم يكن عمر ليفعل أكثر من هذا فقد كان عهده كله عهد جهاد وحرب اتصلت على السنين طيلة خلافته، فلم يكن بد من أن يوجه أكبر همه إلى نجاح الفتح وإلى طمأنينة العرب للنظام الجديد الذي أقامه. وكذلك كان شأن عثمان في أول خلافته، إذ كانت الأمور مستقرة فلم يكن يساوره أو يساور غيره من الخوف أن تثور الأرض بفعل هذه العوامل، وأن تبلغ الثورة مبلغ الحرب الأهلية؛ لهذا وقف تفكير عثمان كما وقف تفكير عمر من قبل عند معالجة كل انتقاض بما يرد الطمأنينة إلى النفوس ويدفع بالفتح إلى أن يسير سيرته المظفرة.
والواقع من الأمر أن هذه العوامل كانت من الضعف في عهد عمر وفي السنوات الأولى من عهد عثمان، فلم يكن لأي من الخليفتين أن يخشاها. لقد كان عمر يظن أن ما يبدو من ظواهر الانتقاض يرجع إلى سوء تصرف الولاة، وقد تولى عثمان الخلافة ولم يكن أحد يسيء به الظن لأول عهده، بل إن المؤرخين ليجمعون على أن السنوات الست الأولى من خلافته كانت محل الرضا عنها والطمأنينة إليها والاغتباط بازدياد الرخاء أثناءها من جانب العرب، ومن جانب من اطمأنوا لحكم المسلمين، من غير العرب. ويذهب أكثر المؤرخين إلى أن الرضا والطمأنينة كانت أكثر شمولا في هذا النصف الأول من عهد الخليفة الشيخ مما كان في عهد عمر؛ لذلك لم يكن لأحد من بني هاشم أو من غيرهم أن يشكو أو يثير ثائرة. فقد كان عثمان لينا في غير ضعف، عادلا عدل عمر من غير أن يكون باطشا بطشه أو قاسيا قسوته. فقد رأيت أنه استفتح عهده بأن زاد في عطاء الناس ووسع عليهم، فزاد ذلك في طمأنينتهم ورضاهم.
अज्ञात पृष्ठ