उस्मान इब्न अफ्फान: खिलाफत और राज्य के बीच
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
शैलियों
وأقام لاجئا عند خاقان وفي نفسه بقية ضئيلة من أمل ضعيف في أن يعود يوما إلى عرشه. فلما قتل عمر كبرت هذه البقية وخيل إليه أن الفرصة سانحة لإثارة فارس بالمسلمين، فكاتب رجاله في مختلف الولايات كيما يحرض الناس على الثورة والانتقاض. وكان أهل الولايات المختلفة لا تزال تملأ نفوسهم رهبة المسلمين منذ حطموا قوتهم، ثم كانوا قد رأوا من عدل المسلمين وتسامحهم ما جعل القليل من هذه الولايات هو وحده الذي يسمع لدعاية كسرى، فينتقض على الحكم الجديد. وأسرع المسلمون فقضوا على ما حدث من الانتقاض في أول عهده، فسكنت فارس كلها إلى ما أصابها، وسكن يزدجرد زمنا غير قصير إلى سوء مصيره. على أن ما كان يحدث بالبصرة وبالكوفة من تغير المسلمين على ولاتهم، قد أدى إلى استرخاء قبضة المسلمين على الولايات الشرقية من أرض فارس. وشعر عمال يزدجرد بما حدث من ذلك فكاتبوه وأذاعوا الدعوة في أهل الولايات المختلفة أن كسرى قادم إليهم ليسترد ملكه، ودعوا أهل البلاد ليجمعوا أمرهم ليقوموا قومة رجل واحد في مؤازرة عاهلهم ليعود إلى عرشه؛ وليرد إلى بلاده ما ضاع من هيبتها ومن مكانتها. ونجحت الدعاية وعاد يزدجرد من ملجئه في فرغانة إلى خراسان فشجع ذلك كل فارسي وأثار حماسته ونخوته. وكذلك انتقضت الولايات الشرقية كلها وسارت بالمسلمين تريد أن تجليهم عن أرضها.
ترامت أنباء ذلك إلى سعيد بن العاص بالكوفة وإلى عبد الله بن عامر بالبصرة، فأيقنا أن الأمر إن يفلت من أيديهم تذهب ريح المسلمين في بلاد الفرس جميعا. عند ذلك ينقلب خصوم عثمان بالمدينة عليه وينزعونه من الخلافة. وإذا ضاع عثمان ضاع سعيد وضاع ابن عامر وضاع كل أموي. وتلك هي الطامة الكبرى؛ لذا سار كل من الرجلين بنفسه وسير أمراء جنده وحرضهم وحضهم على الجهاد في سبيل الله دفاعا عن دين الله وعن المسلمين جميعا. ولا أحسبهما نسيا ما في هذا الجهاد من دفاع عن العصبية وعن سلطانهما الذاتي المتصل بهذه العصبية. فلو أنها ذهبت وذهب هذا السلطان الذاتي معها فهيهات أن يعود.
التقى المسلمون والفرس في مواقع عدة ودار بين الفريقين قتال رأيت من شدته ومن احتماء وطيسه في بعض المواطن ما يذكرنا بالغزوات الكبرى. وقد ظفر الفرس بالمسلمين في بعض هذه المواقع. انهزم عبيد الله بن معمر أمام الفرس في اصطخر، وأدى حياته ثمنا لهزيمته وهزيمة المسلمين الذين كانوا في إمرته. وكان عبد الله بن عامر قد وجه الأسود بن كلثوم العدوى إلى بيهق، من أعمال نيسابور، فدخل البلد من ثغرة كانت في أسوارها، ودخل معه طائفة من المسلمين، فأخذ العدو عليهم تلك الثغرة فقاتلهم حتى قتل هو والذين معه.
على أن ظفر الفرس كان نادرا. وكان عبد الله بن عامر لا يلبث حينما يسمع بشيء منه أن يخف بنفسه أو يبعث من أمراء جنده من يرد العدو على أعقابه، ويرفع أعلام النصر عالية للمسلمين. وسار إلى اصطخر بعد مقتل ابن معمر، ففتحها وأذل أهلها، وأكمل أدهم بن كلثوم ما بدأه أخوه الأسود ففتح بيهق. واندفع ابن عامر في أرض خراسان ووجه أمراء الجند إلى شتى أرجائها فأشاع بها من الفزع ما تطايرت أمامه كل دعاية ليزدجرد، وما جعل أمراء الفرس على المدن يهرعون إلى الصلح يلتمسونه التماسا، ويقدمون في سبيله طائل الأموال وبارعات السبايا.
وقد ذكر البلاذري تفصيلا لبعض ما صالح عليه الفرس من أهل المدن والولايات المختلفة، فإذا به يبلغ عدة ملايين، لا أدري كيف كان يحصيها العرب! أكانوا يعدونها عدا أم يكيلونها كيلا؟! لا أراني بحاجة إلى تفصيل ما فرض على كل مدينة أو كل ولاية فتفصيله يطول ولا غناء فيه. وحسب القارئ لتستبين له صورة من ذلك أن يعلم أن المسلمين ساروا إلى أقصى الشرق من حدود فارس فردوا كل منتقض إلى الطاعة، وفتحوا ما لم يكن قد فتح في عهد عمر، وأنهم انحدروا في أفغانستان حتى صاروا على مقربة من حدود الهند. وتختلف الروايات: هل أخذوا كابول وغيرها من مدن أفغانستان واستقروا بها؟ أم أنهم ردوا عنها، أم فتحوها ثم خرجت عن الطاعة فلم يعودوا إليها في عهد الخلافة؟ وأرجح الروايات أنهم لقوا من الشدة في جبال الأفغان ما صرفهم أيام عثمان عن متابعة الغزو في تلك النواحي.
روي أن الناس قالوا لعبد الله بن عامر حين تم له كل هذا الفتح: ما فتح لأحد ما فتح عليك، فارس وكرمان وسجستان وخراسان! فقال: «لا جرم لأجعلن شكر الله على ذلك أن أخرج محرما من موقفي هذا، سأحرم بعمرة من نيسابور.» وقدم على عثمان واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم.
بينما كان المسلمون تساير أعلامهم النصر في مختلف الأرجاء من أرض فارس، كان يزدجرد يفر من ولاية إلى ولاية حتى انتهى به الفرار إلى أن قتل في منزل رجل ينقر الأرض على شاطئ نهر المرغاب. والروايات في قتله كثيرة مضطربة. ويرجع اضطرابها إلى اختلاف التاريخ لفتح الولايات المختلفة من بلاد فارس، وهل تم كله في عهد عمر، أم أن فارس وكرمان وسجستان وخراسان لم تفتح إلا في عهد عثمان. والذي رجحناه في كتابنا عن الفاروق، ونرجحه هنا أن فارس كلها فتحت في عهد عمر، وأنها نقضت بعد ذلك وثارت، وأن يزدجرد انتهز فرصة ثورتها فعاد من ملجئه عند خاقان الترك إليها. ويتعذر القول في أي سنة من عهد عثمان عاد. لكنه لم يلبث بعد عوده أن حاول قتال العرب، فجمع حوله جندا يقاتل به عدوه. لكن هذا الجند لم يغن عنه شيئا، ففر من كرمان إلى سجستان إلى خراسان، وهناك على شط المرغاب لقي حتفه.
وتجمع الروايات على أنه لم يقتل حين فراره أمام المسلمين، بل قتل لاختلافه مع ملوك الفرس وأساورتهم، يقول البلاذري:
8
إن «يزدجرد جلس ذات يوم بكرمان، فدخل عليه مرزبانها فلم يكلمه تيها، فأمر بجر رجله وقال: ما أنت بأهل لولاية قرية فضلا عن الملك، ولو علم الله فيك خيرا ما صيرك إلى هذه الحال! فمضى إلى سجستان فأكرمه ملكها وأعظمه، فلما مضت عليه أيام سأله عن الخراج فتنكر له. فلما رأى يزدجرد ذلك سار إلى خراسان فلما صار إلى حد مرو تلقاه ماهويه مرزبانها معظما مبجلا. وقدم عليه نيزك طرخان فحمله وخلع عليه وأكرمه، فأقام نيزك عنده شهرا ثم شخص وكتب إليه يخطب ابنته، فأحفظ ذلك يزدجرد وقال: اكتبوا إليه إنما أنت عبد من عبيدي فما جرأك على أن تخطب إلي. وأمر بمحاسبة ماهويه مرزبان مرو وسأله عن الأموال، فكتب ماهويه إلى نيزك يحرضه عليه ويقول: هذا الذي قدم مفلولا طريدا فمننت عليه ليرد عليه ملكه، فكتب إليك بما كتب. ثم تضافرا على قتله. وأقبل نيزك في الأتراك حتى نزل الجنابذ فحاربوه فتكافأ مع الترك، ثم دارت الدائرة عليه فقتل أصحابه ونهب عسكره، فأتى مدينة مرو فلم يفتح له فنزل عن دابته ومشى حتى دخل بيت طحان على المرغاب.»
अज्ञात पृष्ठ